كثرت الشائعات في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر, وهي لا تستثني جانبا من الحياة أو أمراً من الامور. بل تطال كافة المجالات حتى لدى الأطفال الصغار أصبحت هناك شائعات تتناول اهتماماتهم بشأن موعد فتح المدارس أو تغيير موعد الإجازة او تمديدها وغير ذلك. وأحياناً كثيرة يؤمن المرء بأن تلك الشائعات لا تنطلق بصورة عشوائية بل هي صناعة متقنة ومنظمة ولها خبراؤها وأوقاتها المناسبة. وهناك مكاسب ومصالح تحدد بموجب تلك الشائعات, والملاحظ أيضاً أن الشائعات تنطلق بقوة تفوق أحياناً قوة الحقائق وتجد المناخ المناسب لسريانها وتصديقها. وكثيراً ما تطلق الشائعات في المجتمعات المتغيرة سواء كانت على مستوى الفرد أو مستوى الجماعة أو مستوى الدولة لمعرفة قياس ردود الفعل ومواقف الرأي العام تجاه قضية أو موضوع معين، ويطلق عليها علمياً بالونة اختبار في العرف الإعلامي ولقد اختلف الكثير من العلماء والمختصين في السياسة والإعلام وعلم الاجتماع في تعريف الشائعات، حيث عرفها الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن تحت مادة شيع، والشياع: الانتشار والتقوية، ويقال شاع الخبر أي كثر وقوي، وشاع القوم، انتشروا وكثروا. وأرى أنه لا بد من إنشاء إدارات أو هيئات في الوزارات والقطاعات الحساسة، تعنى بمواجهة الشائعات، تقوم بوضع الاستراتيجيات والخطط الوقائية، وتحدي الإمكانات المادية والفنية والبشرية اللازمة لتنفيذ هذه الخطط ومتابعتها، وتقويم النتائج وتحدد الأطر المستقبلية للمواجهةكما عرفها د. محمد عبدالقادر حاتم بأنها فكرة خاصة بعمل رجل الدعاية على أن يؤمن بها الناس، كما يعمل على أن ينقلها كل شخص إلى الآخر حتى تذيع بين الجماهير جميعاً، ويجب أن تكون قابلة للتصديق غير مبالغ فيها. وعرفها دريفر في قاموسه لعلم النفس بأنها قصة غير متحقق من صدقها، تنتشر في المجتمع ويزعم فيها حدوث واقعة معين فالشائعة ظاهرة اجتماعية مهمة جداً في الثقافات البشرية، فهي وليدة مجتمعها، حيث تعبر تعبيراً عميقاً عن ظروفه النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك تعد المفتاح الذهبي لدراسة المجاهل العميقة لهذا المجتمع وتحديداً ملامحه وخصائصه. وتظهر أهمية دراسة الشائعات في تأثيرها الكبير الذي تحدثه في المجتمعات، قد تؤدي إلى تفككها وتدهورها، وقد تؤدي إلى تماسكها، وذلك وفقاً لدورها في خفض أو رفع الروح المعنوية لذلك المجتمع وتعد الشائعة أحد أسلحة الحرب النفسية والدعائية، وهي من أهم أسلحة هذه الحرب. ولا نبالغ إن قلنا إنها أكثر الأساليب أهمية ودلالة في وقت السلم والحرب على السواء، وهي سلاح يتطور مع تطور المجتمعات وتقدم التكنولوجيا، وتمثل الغذاء اليومي لكثير من المجتمعات المعاصرة، على الرغم من الانتشار السريع لأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أو ما يسمى بثورة المعلومات التي أتاحتها وهيأت أرضيتها شبكة الإنترنت، والتي أصبحت هي نفسها أو أى وسيلة لترويج الشائعات وتفريخها، فالإشاعة رغم أنها لا تعتمد على الإقناع المباشر أو غير المباشر كما في الدعاية والحرب النفسية، إلا أنها تفعل فعلها وتحقق آثارا كبيرة وذلك عندما يقوم مستخدمو الإشاعة بتنظيم حملة منظمة مخططة مركزة تطمس معها معالم الحقائق، وتفرق الآراء وتمزق اللحمة الاجتماعية، وتشوه صور القادة والزعماء. فالوضع الراهن للعالم العربي والإسلامي الآن يعكس واقع البلبلة الفكرية والتشويش الذهني والتشتت النفسي الذي تعيشه بفعل الحملات النفسية والدعائية المستمرة والموجهة إلينا من قبل الآخر في إطار الحرب ضد الإرهاب، والشرق الأوسط، وصراع الحضارات. وعلى ضوء ذلك فإن الشائعات التي نتعرض لها لم تبق مجرد فعل تلقائي أو نشاط عفوي، ولكنها أصبحت وسيلة ونشاطاً مخططاً ومدبراً ومرسوماً ومستمراً يقوم به خبراء وإخصائيون ينتسبون إلى هيئات ومنظمات دول كبرى، وتتوافر لهم كافة المعلومات والدراسات والميزانيات والأجهزة والمعدات التي تساعد على تحقيق الشائعات لأهدافها المرسومة والمحددة بكل دقة وعناية. وأرى أنه لا بد من إنشاء إدارات أو هيئات في الوزارات والقطاعات الحساسة، تعنى بمواجهة الشائعات، تقوم بوضع الاستراتيجيات والخطط الوقائية، وتحدي الإمكانات المادية والفنية والبشرية اللازمة لتنفيذ هذه الخطط ومتابعتها، وتقويم النتائج وتحدد الأطر المستقبلية للمواجهة. كما أرى أن تقوم وسائلنا الإعلامية بكافة أشكالها بالتعاون مع الجهات المذكورة بتحديد دور كل جهة بتقديم النصائح والإرشادات للمسئولين والمواطنين في كيفية دحض الشائعات ومواجهتها والتصدي لها وتكون ثقافة التعامل معها في جميع الظروف التي تواجة مجتمعنا.