في جلسة مراجعة للعروض المقدمة لإحدى الشركات الخاصة بالمنطقة، لفت إنتباهي عرض في غاية الغرابة، ولأول مرة أفهم عبارة «إحنا اللي عبينا الهواء بأزايز»!؟ كانت الشركة تفاضل بين مجموعة من العروض الخاصة بمنتجات التحكم بحركة المركبات وتتبع مواقعها، وبطبيعة الحال فإن الشركات المسوقة تقوم بعرض خدمات أخرى مرافقة تدعم هذا النوع من الإدارة. ومن بين الخدمات المكملة تأتي التطبيقات البرمجية، ويالها من معضلة! المقارنة بين التطبيقات البرمجية مهمة شاقة وشائكة في الآن نفسه، لأنك في هذه الحالة تقارن بين شيئين غير ملموسين، لا تعلم تماماً كيف سيعمل البرنامج بعد عدة أشهر، وكيف سيتعامل موظفوك معه، وكيف سيتم دعمه فنياً بعد ذلك، ولا تعلم ما بداخل هذه الملايين من سطور الأكواد، هل كتبت بشكل منظم آمن، أم كتبت بقاعدة «مشي حالك». إن المفاضلة بين منتجين ملموسين أمر أسهل بكثير، على أقل تقدير – لو أعيتك الحيل – ستقوم بحمل المنتجين بيديك الإثنتين لتعرف أيهما أثقل، وتزعم بأن الأثقل أكثر متانة وقوة ، وكفى الله المؤمنين القتال. ما جعل «الهواء» و «الأزايز» يتبادران لذهني هو أنني على علم بأن هذا البرنامج هو برنامج مفتوح المصدر، موجود على شبكة الإنترنت بالمجان، وتوجد هناك الآلاف من الوثائق والأفلام التدريبية لكيفية استخدامه.ما لفت إنتباهي في تلك العروض أن إحدى الشركات المسوقة قد عرضت تشغيل أجهزتها بواسطة نظام (برنامج) معين بتكلفة تقدر تبعاً لعدد الحسابات المطلوب تسجيلها في النظام، وبكلمات أخرى على الشركة دفع مبلغ معين عن كل مركبة لديها بالإضافة لتكلفة تركيب الجهاز الخاص بالمركبة. المبلغ لكل حساب ليس بالمبلغ البسيط، وبإجراء عملية حسابية بسيطة على الشركة دفع ثروة لتشغيل النظام المعروض. ما جعل «الهواء» و «الأزايز» يتبادران لذهني هو أنني على علم بأن هذا البرنامج هو برنامج مفتوح المصدر، موجود على شبكة الإنترنت بالمجان، وتوجد هناك الآلاف من الوثائق والأفلام التدريبية لكيفية استخدامه، لقد كان على الشركة دفع مبلغ ليس بالقليل، من شأنه أن يرفع كلفة نقل منتجاتها من أجل برنامج مجاني. والأدهى من ذلك، إنه قبل أن أنهي تعجبي سقط في يدي عرض لشركة أخرى تعرض منتجاتها وقد أرفقت مع منتجاتها المتعددة عرضاً بتركيب وتشغيل البرنامج نفسه مجاناً. ولا أظن ردة فعلك ستخلتف عن ردة فعل المسئول في تلك اللحظة عندما قرر عدم مطالعة أي عرض تقدمه الشركة الأولى، بينما وثق كثيراً بتلك الشركة التي تعاملت معه باحترام. للأسف، لا يدرك كثير من المسوقين أن عملية البيع والشراء هي بالأساس عملية تعامل إنساني، يبدأ بالإحترام والثقة وينتهي بالتعامل والتبادل التجاري المستدام. وللأسف ألف مرة أن كثيراً من هؤلاء المسوقين الذين يتعمدون «إستغفال» المستهلك سواء كان تاجراً أو مستهلكاً بسيطاً (أقول للأسف) أنهم لا يدركون أن زمن الاستغفال قد ولى، فنحن في (زمن الإنترنت) زمن المعلومة التي تطرق بابك قبل أن تسأل عنها، زمن وفرة الخيارات والبدائل، زمن أصبحت يد المستهلك تمتد وتلتقط أي معلومة يريدها. نعم، هناك من يُعين المستغفلين على نفسه لا يبحث ولا يقارن ولا يستشير، ثلاث لاءات خطيرة جداً في عالم التكنولوجيا تؤدي لضياع الأموال واستنفاذ الجهود. * خبير تقنية ومستشار في إتحاد الغرف التجارية