فَتَشَ ترادف كّشّفّ وهما تضادا غَطَى .. وتَفَقدَ تعني تَلَمسَ .. وكل ما سبق لم يدخل في معناه جامل ، أو احتفى ، أو ظاهر ، أو مثّل ، أو تصنّع .. لأن كل المعاني حين تجتمع ، أو تتفرق المهم أن تتحقق الفائدة ، وتحصل المنفعة .. وحالة التفتيش والتفقد لدينا حالة لا يعلم بها إلا الله الكريم كاشف الضر .. هاتف مدير المدرسة يرن يخبره سكرتير مدير التعليم أن مدير التعليم سيشرّف مدرسته ويتفقدها بعد يومين ، وقد وجهَ سعادته بإخبار مدير المدرسة بذلك .. انتهت المكالمة .. تأبط مدير المدرسة نشاطا ، واستشاط قلقا ، وصاح يا وكيل ، يا مساعد ، يا مرشد ، يا معلم ، يا إداري .. هلموا ويحكم لنقلب المدرسة ، و نهيئها فمدير التعليم قادم غدا ويجب ان يرى كل شيء على ما يرام .. اتصلوا بالمبلط ، وبالدهان ، والكهربائي ، وغيروا ، وعدلوا ، وصلحوا ، وافرشوا ، وجهزوا ، واعدوا له الدروع وخطب الشكر .. تحولت المدرسة البائسة المحبطة المتألمة إلى ما يشبه وكالة (ناسا) حين تطلق مكوكا فضائيا .. لم يذهب أولئك لبيوتهم ليومين وهم يعدون العدة لمقدم مدير التعليم .. تفتيش النواعم ، وتفقد المصالح بليونة الكراسي سوف يعطل التنمية لدينا ويكثف حالة الفساد ويساعد على إفشاء صور التدليس وتبريرها لدى القيادة الرشيدة التي وضعت الذمة والأمانة في عنق هذا أو ذاك المسئول الذي لا يتفقد ، وإن فتّش أو قام بجولة تفقدية تفقد بصخب إعلاميفرشت الأرضيات بالسجاد المستأجر وانتظروا فأتى مدير التعليم وحاشيته وكل الطبول تضرب حوله بكلمات مضيئة وبأن كل شيء تمام ولا ينقصهم إلا وجوده .. أخذ مدير التعليم (لفتين) وسمع كلمتين ثم ذهبوا به إلى مصنع المجاملة أي موقع الحفل الخطابي وكل أنواع الحلويات تدار حوله .. والقهوة والنعناع والكركديه و العصيرات .. المهم أن يرضى سعادته .. ثم انتهى الحفل ونسيت المهمة الأصلية مهمة التفقد والتفتيش وخرج مدير التعليم وهو يحمل أجمل انطباع ان كل المدارس في منطقته لا ينقصها شيء ولديها المزيد والكثير والفائض مما رأى وشاهد .. وإن جولته تلك وإخبار المدرسة بمجيئه ساهم كثيرا في إظهار المدرسة بهذا الشكل .. ثم عاد إلى مكتبه ليخبر كل الوسائل أنه يتفقد المدارس ويتلمس احتياجاتها وأن كل الأمور ممتازة .. وعاد مدير المدرسة الممثل الكبير إلى مكتبه ليسدد كل الديون المترتبة على الإصلاح والتعديل. وعلى شح جولات التفقد وزيارات التفتيش التي بالكاد نسمع عنها .. وإن حدثت .. فإن تمثيلية مدير التعليم تكررت مشاهدها في كثير من القطاعات ، والجهات الحكومية ، فانقلبت الجولات التفتيشية ، والزيارات التفقدية التي ينبغي أن تقع على الأخطاء ، وتشاهد القصور ، والنواقص ، والطلبات ، والاحتياجات انقلبت إلى احتفالات ، ومجاملات ، وخطب ، وورود ، وهدايا تذكارية ، ثم خطابات شكر.. فكان الوجيه ، والوزير، والفريق ، والوكيل ، والمدير ، والرئيس مقتنعين تماما ان مفهوم التفتيش لدينا من مشاهدة الوضع كما هو كائن إلى مشاهدة الحال على خير ما يكون بالتمثيل والتصنع .. فيتعطل الإصلاح في تلك المشاهد بأكاذيب ، وصناعة تمثيليات ، وتقديم الوجه الحسن ، وإخفاء السلبيات والمسئول يهز رأسه خوفا أن يهتز كرسيه. ختام القول: تفتيش النواعم ، وتفقد المصالح بليونة الكراسي سوف يعطل التنمية لدينا ويكثف حالة الفساد ويساعد على إفشاء صور التدليس وتبريرها لدى القيادة الرشيدة التي وضعت الذمة والأمانة في عنق هذا أو ذاك المسئول الذي لا يتفقد ، وإن فتّش أو قام بجولة تفقدية تفقد بصخب إعلامي ، وبهرجة فنية لا تقدم الواقع الحقيقي لنتعامل معه بما يستحقه ، ومن جهة أخرى تشوه وجه الوطن الجميل .. لذا على كل مسئول أن يفتش بذمة ويتفقد بإحساس الحريص ويبتعد عن مسلسلات التبجيل أثناء التفقد لنصبح أفضل .. @aziz_alyousef