* في مسيرة حياتنا.. نشاهد العجائب.. بعضها بدون تفسير.. كنتيجة.. نستنتج.. ثم ننسج التفسيرات.. لتطفو الأسئلة.. تتشكّل منصات.. للتوقعات والشائعات.. تنطلق معها سهام كثيرة.. من العجائب الجديدة.. شارع بمدينة الدمام.. زاخر بالبيوت الاسمنتية.. تذكّرني بأجسادنا المنفلتة.. ونعرف بالوراثة أن للبيوت أبوابًا.. ملامحها تعبير لوجه أصحابها.. تعبّر عن أشياء.. لا داعي لسردها.. تمثل ذوقًا وإبداعًا مستوردًا.. لا يناسب طقوس ديارنا.. قديمًا قيل.. الجنون فنون.. هكذا نعيشه بكل حذافيره. * مررتُ بأول بيت في الشارع.. كان أمامه غدير ماء.. قلت: غسيل كالعادة.. ثم كان الثاني بنفس المشهد.. وكذلك الثالث والرابع.. إلى أن وصلت إلى آخر بيت.. رأيت مجموعة من العمّال.. بسحنات غير عربية.. متجمّعين حول عدّاد ماء.. رأيت الماء يتدفق من بين أيديهم فزعًا مذعورًا.. ركنت السيارة.. ترجّلت كالغزال العربي الفزع.. مشيًا إليهم.. وبعد السلام.. سألت بابتسامة لها أبعاد: ماذا تفعلون؟!.. أجابوا بلكنتهم: نغيّر صندوق عدّاد الماء.. سألت: لماذا؟!.. قالوا: لا ندري.. أضافوا: سنغيّر كل صناديق عدّادات الماء في بيوت هذا الحي.. سألت: هل تغيّرون عدّاد الماء؟!.. كان النّفي جوابهم.. علق أحدهم قائلًا: (سعودي خربان).. ضحكوا.. ضحكت.. بهذا انتهى الحوار. * تعليق العامل أصابني بالدهشة.. شرّق بي وغرّب.. وقفت أشاهد فوران الماء وتمرّده.. تجمّع في الشارع.. قارنت الصندوق القديم بالصندوق الجديد.. وجدت كل المعطيات تميل لصالح الصندوق القديم.. الأجوبة لا تأتي مجانًا.. عزفت على نغمة سوء الظن العربي.. أطلقت العنان للتكهّنات.. وصلت إلى النّتيجة الحتميّة.. بسؤال يحتاج إلى جواب.. هل هذا فساد وتلاعب بالمال العام.. ولصالح من؟! نتساءل: هل هناك مصالح وطنية تتطلب تغيير كل هذه الصناديق البلاستيكية؟!.. هل هي مصالح مخفية تجيد فن وحَبك التهريج؟!.. حتى العمالة أدركت ذلك.. رغم كونها لا تملك مهارة إتقان عملها.. * زاد السعي والنّشاط للمقارنة.. من النّاحية الجمالية.. كل المقارنات كانت لصالح الصندوق القديم.. ممشوق القوام.. يعبّر عن جمال ينقصنا.. ذكّرني بالقامة الافريقية الشامخة على خط الاستواء.. نظرت إلى الصندوق الجديد.. وجدته مربع الجسم.. مكتنزًا بالفراغ.. لا يختلف عن بقية الأجساد العربية.. طولها يساوي عرضها.. تذكّرت الخيل العربية.. حيث الطول هو نفس العرض.. قالت العرب في وصف بعض مشاهيرها.. (شخصية مربوعة).. عليكم سؤال مفسّري الأحلام.. هل سيأتون بتفسيرات جديدة لهذا الوصف؟! * من نتائج النّزاهة.. ظهور تشوّهات على جدار كل بيت.. تغيّرت الأحجام.. القديم منها مثبت في مكانه قبل صبغ الجدار.. من أجل فهم أكثر للمسؤول.. نكرّر ما يعرفه.. تمّ وضع الصناديق القديمة قبل اكتمال بناء البيت.. أصبح المكان مشوّهًا حول الصندوق الجديد.. خرجت علينا الأنابيب مع (أكواعها) من كل جانب.. شكل قبيح.. خالٍ من الجودة.. يذكّرني بصحن تتدلى منه خيوط المكرونة.. اقتربت من الصندوق.. قرأت الرموز.. قديمًا قيل: (البعرة تدل على البعير).. زالت بعض التساؤلات.. وجدت نفسي أردّد أغنية الشعب العربي.. (امسك لي واقطع لك).. غادرت المكان في صمت الصواريخ العربية الذكية ونزاهتها. * الحديث بصوتٍ مرتفع (مكروه).. لكنه أتى مع تغيير صناديق عدّادات الماء.. وبسبب ما فجّره العامل من استنتاج.. نتساءل كمواطنين عن سر تغيير الصناديق القديمة وهي جديدة.. بالصناديق الجديدة؟!.. الأكبر والأكثر تشوّهًا وقبحًا.. هل من حقنا النفخ في وجود (براطمنا القرمزية)؟! * نتساءل: هل هناك مصالح وطنية تتطلب تغيير كل هذه الصناديق البلاستيكية؟!.. هل هي مصالح مخفية تجيد فن وحبك التهريج؟!.. حتى العمالة أدركت ذلك.. رغم كونها لا تملك مهارة إتقان عملها.. عدم الإتقان جزء من عيشهم في البلد.. وجدت أحد البيوت بعد أن غادروه (يخرّ) ماء من داخل الصندوق الجديد.. بحثت عنهم في شارع آخر.. أخبرتهم بالتسرّب.. مشيتُ معهم إلى البيت القضية.. شكرتهم بلطف عربي على تجاوبهم.. أعادوا حبك تركيبه.. ترى ماذا قالوا لبعضهم عن كاتبكم بعد ذهابي؟! * أكثر شيء أثار خفقان القلب.. وجود محبس ظاهر للعيان.. يمكن لأي طفل العبث به.. وحبس الماء عن أي بيت.. وجدت محبسًا آخر مخفيًا في جوف الصندوق.. لماذا كل هذه المحابس.. و(الأكواع) والأنابيب؟!.. مشروع تشويه. * التساؤلات لا تتوقف.. ما زلت حائرًا أمام السؤال الأكبر: مَن المسؤول عن هذا العمل؟!.. وزارة المياه والكهرباء؟!.. أم شركة المياه التي يتحدثون عنها؟!.. أم أنها البلديات؟!.. هل هو ضياع وعبث بالمال العام؟!.. هل الجميع مشترك في كل هذا التشويه؟!.. أدّعي أنه عمل عشوائي وفاسد.. استبدال ليس له أي مبرر منطقي. * تبقى القضية الكبرى المطروحة أمام كاتبكم.. مياه تمّ إهدارها أثناء تغيير صناديق عدّادات الماء.. كم ضاع من المياه الثمينة أمام كل منزل؟!.. أعرف أنه سؤال لا يُطرح أمام بريق المال. twitter@DrAlghamdiMH