إثر العمل الإرهابي الذي حدث الأسبوع الماضي في نيوزيلندا والذي استهدف المصلين الآمنين في اثنين من المساجد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أن المجتمع الدولي كله مسؤول عن مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب التي لا تقرها الأديان ولا قيم التعايش بين الشعوب، ومما يعطي هذا القول الأهمية الكبرى أنه يصدر عن قائد دولة كانت وما زالت في مقدمة الدول التي تقف في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتصدي لمنظماته وعصاباته، وهي أدت وتؤدي باستمرار دورا قياديا في مواجهة الظاهرة التي كانت في مرحلة زمنية معينة إحدى ضحاياها، حيث دفعت ثمن ذلك من أمنها واستقرارها ودماء أبنائها إلى أن مكنها الله من وأدها والقضاء عليها لتنتقل بعد ذلك لتؤدي الدور الذي يتناسب مع مكانتها إقليميا ودوليا في مواجهة الإرهاب وحركاته، هذا الدور الذي اضطلعت به دائما خاصة منذ وقعت المملكة على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2000م، حيث استمرت منذ ذلك الحين على العمل مع المجتمع الدولي على استئصال آفة الإرهاب والتعاون مع دول العالم في جميع المحافل الدولية لمواجهة هذه الظاهرة وتجريم من يتعاون معها من الدول المارقة والأفراد، وقد أكدت كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز في شهر رمضان الماضي أن «الإرهاب لا يفرق بين الحق والباطل ولا يراعي الذمم ولا يقدر الحرمات، فقد تجاوز حدود الدول وتغلغل في علاقاتها وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين وفرق بين الأب وابنه وباعد بين الأسر وشرذم الجماعات». وعندما حاولت بعض الجهات إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام كانت المملكة أولى الدول المدافعة عن سماحة الدين الحنيف وبراءته من هذه التهمة الباطلة، وقد جاء ذلك أوضح ما يكون في كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة الإرهاب الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة العام الماضي، حيث قال: «الأمة الإسلامية يهددها تغول الإرهاب المتأسلم بالقتل والغصب والنهب وألوان شتى من العدوان الآثم في كثير من الأرجاء، بل جاوزت جرائمه حدود العالم الإسلامي متمترسا براية الإسلام زورا وبهتانا والإسلام منه براء»، وما دور المملكة القيادي في تشكيل التحالف العربي الإسلامي لمحاربة الإرهاب والذي يعد تأسيسه بقيادة المملكة أحد أكبر المبادرات الدولية في مكافحة الإرهاب والذي جاء تأسيسه انطلاقا من الوعي بالمسؤولية الدولية المشتركة في التصدي للإرهاب ومواجهته، وقد كررت المملكة العديد من المواقف التي تؤكد موقعها الطليعي في كافة الجهود الدولية التي تتم في مواجهة الإرهاب، ومن ذلك كلمة خادم الحرمين الشريفين في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في تركيا عام 2015 م على ضرورة أن يضاعف المجتمع الدولي جهوده لمكافحة الإرهاب، وكذلك استضافة المملكة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في مدينة الرياض عام 2005م بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وأجنبية. أما على الصعيد المحلي فقد أفشلت المملكة أكثر من 95% من العمليات الإرهابية إضافة إلى انضمامها للعديد من الاتفاقيات العربية والإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب بكافة أنواعه، ولا شك أن دولا صديقة وشقيقة كثيرة تحرز أيضا نجاحات في مواجهة الإرهاب وتتعاون على مواجهته، ومع ذلك فإن العملية الإجرامية التي طالت المصلين في كرايست شيرش تثبت أن الإرهاب لا دين ولا وطن له، فالإرهابيون هم فئة ضالة مجرمة موجودة في كثير من المجتمعات ولذلك فإنه لا يجوز أن تحسب عواقبها على الأبرياء منها لمجرد أن من يقوم بهذه الأعمال هو من وطن أو عرق أو دين محدد.. وبذلك تكون مواجهة الإرهاب أيضا مسؤولية جميع الدول والشعوب المحبة للأمن والسلام وقيم التسامح والعيش الإنساني المشترك.