كنت من فئة المبشرين بدعوة من وزارة الثقافة المصرية لزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي هذا العام، الذي امتدت مسيرته من عام 1380ه والقاهرة صامدة ومستمرة بمعرضها رغم الظروف الشائكة والأحوال المتشابكة. إن مصر بمثقفيها وفنانيها ضاربة في جذور التاريخ إبداعا وتألقا وثابتة في عمق نيلها جمالا وإشراقا، ومعرضها يمثل تأكيدا لانتمائها العقدي ذلك ولهويتها العربية تلك بل هو جزء لا يتجزأ من آمال وطموحات أبناء الكنانة إن لم يكن المعرض بالنسبة لهم بوابة لتقديم ثقافاتهم ورئة للبوح بعواطفهم، كيف وقد جعلوا جامعة الدول العربية الرابضة فوق ثراها ضيف شرف ذلك المهرجان، وإذا كان الحديث جاء عن معرض القاهرة للكتاب فلأنه يعد الأول على مستوى العالم العربي بل من أهمها على مستوى العالم، وما زيادة أعداد الناشرين والزائرين وبأرقام قياسية إلا تأكيد على منافسته أكبر المعارض الأوروبية والأمريكية كما تقول الإحصاءات. ولقد حرصت أيام إقامتي في أيامه الأولى على زيارة معظم الأركان الرسمية للمملكة، فرأيتها تشهد إقبالا كبيرا، فكانت الأركان المشاركة بالمعرض من أكبر الأجنحة إن لم تكن أكبرها مكانا ومكانة، حيث كانت تمثل عددا من الوزارات والجامعات وجهات حكومية أخرى، فضلا عن دور النشر، وكان الجناح السعودي يقدم عروضا جذابة لمجسمات التوسعات في الحرمين وكسوة الكعبة، وقد زاده جمالا عرض (ماكيت) بمجسم ثلاثي الأبعاد للحرمين ولحجرات أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن- والأحداث التاريخية الرئيسة منذ بداية البعثة مما رفع من زيادة أعداد الزوار الذين دخلوا في طوابير كبيرة انتظارا لدورهم، الأمر الذي يجعلك تفخر وتفاخر بذلك الاهتمام. وقد كان الجناح الثقافي في الوقت نفسه يقدم ندوات ومحاضرات جميلة، إلا من بعض أمسيات شعرية، ربما كان فيها من سوء حظي لشاعرات سعوديات لم أستمع منهن لشعر ولم أستمتع بلغة! والحقيقة فإن الصورة على أرض الواقع نجحت في إبراز ما تعيشه المملكة من تطور وازدهار في عهد خادم الحرمين وولي عهده -حفظهما الله- كما لم يعد سرا من خلال تلك المشاهدات وأنت ترى كيف استرد الكتاب الورقي بعضا من عافيته أمام جموح الكتاب الإلكتروني في بداية المنافسة، وهذا ما يثبته الإقبال الكبير هناك في القاهرة، وهنا قبله في معرض جدة الرابع للكتاب، الأمر الذي زاد من ارتفاع سقف آمال وطموحات المثقفين في جدة باستمراره ولكي يكون معرضا هندسيا متكاملا يرقى بآمال الرواد وطموحات الزوار، بدلا من تلك الخيمة التي تفتقر لمعظم وسائل السلامة، وإن كان هناك بعض التحسن الملموس إلا أنه لا يحجب بعض السلبيات كتلك التي جعلت الكثير من دور النشر تحجم عن المشاركة هذا العام حتى انخفضت أعدادها إلى النصف مع بعض الملاحظات التي لا تخفى عن اللجان المنظمة، وهي فرصة لتمديد ذلك المعرض ليبقى مهرجانا سنويا منافسا، خاصة أن المعرض يقع في قلب وفكر مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة الإنسان والفنان.