التستر التجاري ظاهرة ما زالت تنخر الاقتصاد السعودي حتى يومنا هذا، وتلك الظاهرة أخذت مسارا معقدا بسبب محاولة بعض الجهات حلها من خلال ربطها بقضية اقتصادية أخرى وهي قضية «التوطين»، وهنا نجد اختلافا وتباينا للآراء بين العديد من المختصين حول جدوى ربط قضية التستر بقضية التوطين، وأنا ما زلت مقتنعا بأن هذا الربط لن ينفع أبدا وسيفاقم من وجود مشاكل اقتصادية أخرى. في البداية، من المهم أن نوضح الفرق بين مفهوم «التستر التجاري» ومفهوم «التوطين»، فهناك نوعان من أنواع التستر التجاري، أولهما: قيام الوافد «متستر عليه» بممارسة النشاط التجاري لحسابه الخاص بتمكين من مواطن سعودي «متستر»، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقة أخرى مخالفة للنظام، والنوع الثاني: قيام الوافد الحاصل على ترخيص استثمار أجنبي بتمكين وافد آخر من العمل لحسابه خلافا لنظام استثمار رأس المال الأجنبي في المملكة، أما التوطين فيعرف بزيادة مشاركة الأيدي العاملة السعودية في سوق العمل وذلك من خلال «تهيئتهم» ليكونوا على جاهزية وجاذبية لسوق العمل. سوق العمل السعودي فيه تشوهات عديدة متراكمة ويحتاج لإصلاحات كثيرة وعاجلة، وعدم الالتزام بالأنظمة والتستر نجده في المنشآت المخالفة بكافة أحجامها وليس بمتناهية الصغر فقط كما يظن البعض من المسؤولين، ولكن يبقى الضرر الأكبر ينحصر في أصحاب الأعمال الملتزمين بالأنظمة خاصة من «المنشآت الصغيرة» و«المتناهية الصغر» بسبب تجاوزات غير النظاميين من نفس أحجامهم، ولذلك ينبغي أن يكون هناك مرونة أكبر في حل تلك القضية المعقدة والتي أصبحت - للأسف - مستدامة في الاقتصاد السعودي. حتى نكون منصفين، مع كل قرار جديد يتم تطبيقه على سوق العمل نجد هناك خلافات عمالية تنشأ بين «المتستر» و«المستر عليهم»، وبعض تلك الخلافات وصلت إلى التهديد بعدم تجديد الوثائق الحكومية مما يولد مشكلة اقتصادية أخرى، وإضافة لذلك نجد انتعاشا لظاهرة سلبية أخرى وذلك من خلال تعقيد حالات نقل الكفالة والتي وصلت لمبالغ تنازل مرتفعة وغير منطقية، وللأسف ما زلنا نشهد جميع تلك الممارسات في العديد من الوسائل والمواقع الإعلانية. كوجهة نظر شخصية، أنصح كل صاحب مشروع له منافسون لمشروعه «متستر عليهم» بألا ينتظر أي جهة للبدء في حماية مشروعه، وكل ما عليه هو مبادرته بالإبلاغ عن أي شبهة تستر لمنافسين له للجهات المختصة وعدم السكوت عن حقه النظامي وفقا للضوابط والقوانين حتى لو كان أداء مشروعه أفضل من أداء غيره من المنافسين «المتستر عليهم»، وإضافة لذلك اعتماد قرار وزاري بالموافقة على نقل خدمة العامل الوافد لصاحب عمل آخر دون موافقة صاحب العمل الذي يعمل لديه العامل، وذلك «بشرط» قيام العامل بالإبلاغ عن حالة التستر التجاري ضد صاحب العمل مع تقديم أدلة تثبتها حتى لو كان مشتركا فيها حتى نتعامل مع قضية «التستر التجاري» بطريقة أفضل وأكثر مرونة، بمعنى آخر تكون هناك حملة تصحيحية مختصة في مكافحة التستر التجاري باستثناءات وضوابط، وبذلك أجزم بأن عام 2019م سيشهد أكبر حملة تطهير لتلك الظاهر السلبية والتي من المهم أن يشمل عقابها «المتستر» قبل «المتستر عليه» كونه صاحب الضرر الأكبر. ختاما.. تطبيق ضريبة القيمة المضافة على جميع المنشآت بغض النظر عن أحجامها بالإضافة للتطبيق الكامل لبرنامج حماية الأجور هما أساس لا يمكن تجاهله عند النظر لمكافحة ظاهرة التستر التجاري، وغير ذلك من الحلول مهما كانت مجدية فسيكون أثرها يحتاج لمدى طويل حتى تظهر نتائجه.