هناك أمور تستحق الانتظار والترقب، ومنها افتتاح الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لمشروع تطوير حي الطريف في الدرعية الأسبوع الماضي. طول الانتظار زاد من لذة فرحتي به. قبل عامين تقريبا كان لي شرف زيارتها عن كثب عدة مرات عندما كانت مغلقة عن العامة. حينها لعبت دور «الخبيرة السعودية» وعملت مع شركة أمريكية تعيد صياغة الماضي من خلال الميديا واستعانوا بي لنحاول إعادة تصور العمارة في الدرعية لإحيائها للزوار. تعمقت في دراسة تاريخها وتتبعنا جدرانها وتخيلنا الحياة فيها. كان المشروع من أمتع المشاريع؛ لأنه أحيا حي الطريف أمام أعيني وقربها إلى قلبي. لطالما تعلمنا تاريخ بلادنا من الكتب وأتذكر من دراستي، تتشابه فيه القصص والأماكن كحروف على ورق، ندرسه لنمتحن به ومن ثم ننساه. تغير ذلك من خلال الدرعية التي تمكننا من عيش التاريخ. كون الدرعية هي عاصمة الدولة السعودية الأولى فإنها كالبذرة لنبتة نمت وتوقف نموها مرتين لتنمو في نسختها الثالثة وتزهر، مع رؤية المملكة 2030 ننظر للمستقبل، ولكننا نبني على الماضي العريق. وأجمل ما في هذا البناء أنه ليس بناء ميتا مثل ما تكون عليه الكثير من المتاحف التي تجمع تشكيلة من قطع الماضي، بل إن الدرعية مكان يزار ويخلد في ذاكرة الجيل الحالي بتكرار الزيارة وجعله جزءا من حياتنا الآن. في الدرعية التاريخية بحي الطريف بقايا القصور والبيوت والمساجد، بعد تدمير الدرعية في 1818 كان هناك ترميم جزئي في سبعينيات القرن الماضي. أما الآن فقد تم إعادة إحياء المنطقة من خلال مشروع تطوير متكامل. هناك عدد من المتاحف المتخصصة داخل النسيج العمراني، ولكن ما جذبني كان قصر سلوى، الذي بني على مراحل، ويطل على وادي حنيفة. واجهته تقابل مركز الزوار وتُسرد على جدرانه لوحات تاريخية. إن مشروع الترميم للأطلال اتسم بالحساسية العالية، حيث سمح للزوار بالاقتراب دون اللمس، فممشى الأطلال يرتفع عن الأرض ويبتعد قليلا عن الجدران، ولكن يسمح بعيش التجربة من خلال المشي بين الجدران الطينية المتقاربة، ويسمح بالدخول إلى قشور المباني وشم رائحة طوب اللبن الذي بني به. في أي مشروع مشابه يكون الوصول إلى التوازن بين إتاحة فرصة الزيارة والمحافظة على المباني التاريخية حرجا. كيف نحيي المكان دون إعادة بنائه بالكامل؟ وكيف يمكن لنا أن نحافظ على هيبة ورمزية مهد الدولة السعودية مع تلبية رغبات زوار المنطقة؟ إن حي الطريف وحي البجيري المقابل له عبر وداي حنيفة منطقتان في حوار مستمر ومكملتان لبعضهما. في الطريف افتتح عدد من المتاحف التي تثري الزيارة، مثل متحف الدرعية ومتحف الخيل ومتحف الحياة الاجتماعية والتجارة والمال وغيرها. في تخصصها كان من الممكن توفير جرعات متخصصة داخل النسيج العمراني ومجتمعة تعطي صورة تكاملية عن أوجه الحياة في أوج الدولة السعودية الأولى. الدرعية التاريخية ممثلة بحي الطريف هي أحد مواقع التراث العالمي وفخر للمملكة. بينما نمضي قدما للمستقبل نعلم من أين بدأنا.