الملل من نعمة الله آفة عظيمة قد يخسر العبد بسببها ما هو فيه الدنيا مزرعة للآخرة وفرصة لكسب الأعمال الصالحة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. فيصل غزاوي إن من حكمة الله سبحانه وتعالى أن فاوت بين الناس في أرزاقهم واختلف عطاؤه من عبد إلى آخر، فيعطي هذا ما يمنعه غيره والعكس، وقد لا يدرك المرء النعم التي أنعمها الله عليه فلا يراها شيئا، وقد يؤدي به ذلك إلى الملل والسآمة والضجر، فيريد أن يتحول عنها إلى غيرها، ولنا في الماضين عبرة وعظة، فبنو إسرائيل الذين طلبوا من نبي الله موسى عليه السلام أن يكون لهم طعام بدلا من المن والسلوى الذي لم يعودوا يصبرون عليه بل ملوه فاستبدلوا بذلك ما هو أدنى من البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل فتحولوا عن خير الأطعمة وأشرفها إلى ما طلبوا من الأدنى. آفة عظيمة وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس إن الملل من نعمة الله آفة عظيمة قد يخسر العبد بسببها ما هو فيه، ويصبح في حال يتمنى لو أن قد رضي بما كان عليه، وإن من الناس من لا يشعر بقدر النعمة التي هو فيها، فما أكثر من يشكو! وما أكثر من يتضجر! فالواجب علينا أن نحمد الله دائما على كل حال تحدثا بنعمة الله، وإظهارا لشكره. وبين فضيلته أن قوم سبأ، الذين أدر الله عليهم النعم وصرف عنهم من النقم، وقد رزقهم الله الجنتين العظيمتين وما فيهما من الثمار، وجعل بلدهم طيبة لحسن هوائها وقلة وخمها وحصولِ الرزق الرغد فيها، بدلا من أن يشكروا الله بطِروا النعمة وملُوها حتى طلبوا أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى التي كان السير فيها متيسرا فملوا حتى الأمن والأمان الذي كانوا فيه، فعاقبهم الله فأرسل عليهم سيل العرم الذي خرب السد وأتلف جناتهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجِبة والأشجار المثمرة وصار بدلها أشجار لا نفع فيها. ضيق وضجر وأوضح الشيخ غزاوي أن واقعنا اليوم يشهد صورا شتى من إصابة كثير من الناس بالملل والشعور بالضيق والضجر، وهذا ينشأ عن ضعف صلة العبد بربه وطاعته له وإعراضه عن منهجه، فمن تلك الصور الواقعية سآمة بعض الناس من حياته عند الكبر، وقد يحمله ذلك على أن يدعو على نفسه بالموت، ولفت إلى أن من الناس من يعيش مع والديه أو أحدهما حياة سعيدة طيبة، بارا بهما محسنا إليهما فإذا كبِرا عاف الحياة معهما ومل صحبتهما وتنكر لهما وصار يعاديهما ويؤذيهما ويتضجر منهما، ويُسمعهما من عبارات التأنيب ما يؤلمهما ويجرح مشاعرهما، وينسى فضائلهما. دروس شرعية وتساءل: أي عقوق أعظم من ذلك؟ ألم يعلم هذا الجاحدُ حقهما أن الله نهاه أن يسيء إليهما، وقال: من الناس من يبدأ بتعلم القرآن أو الدروس الشرعية النافعة ثم سرعان ما يصيبه الملل ويستطيل الطريق فلا يثبت بل يستعجل ويترك ما هو فيه وينتقل إلى علم آخر دون تدرج ومن غير منهجية في الطلب ولا صبر ولا مصابرة، ومنهم من يكون له دور عظيم في تعليم الناس وفي دعوتهم ونصحهم وتوجيههم وإرشادهم، فإذا طال عليه الأمد وشعر أنه لا فائدة من التكرار والاستمرار، أو وجد في طريق دعوته من عاند واستكبر وامتنع عن قبول الحق فيقطع رجاءه في انتفاعهم وييأس من حالهم فيمل ويترك مواصلة العمل، دون أن يستشعر مكانة وشرف ما كان يقوم به، ومنهم من يقوم بعمل خيري، يداوم على فعل بر وقربة كقضاء حوائج المسلمين وإعالة فقراء محتاجين أو تفريج كربات المعسرين أو كفالة أيتام أو السعي في الإصلاح بين الأنام ثم لا يلبث أن يترك ذلك من غير عذر مانع قاهر ولا سبب وجيه ظاهر، بل ملله وفتوره وسآمته أدت إلى أن ينقطع عن الخير الذي كان فيه ويُحرم من الأجر الذي كان يناله ويجنيه. وسائل العلاج وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام من أن نمل النعمة والطاعة، وذلك يتأتى بأمور هي من وسائل العلاج لدفع هذه الآفة العظيمة وإزالتها من النفس، منها تقوية الصلة بالله، وملازمة العبد دعاء ربه حتى يثبت ويواصل العمل، وأكد فضيلته أن الدنيا مزرعة للآخرة وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، كما أنه لابد للمرء من دافع قوي ينشطه ويدفعه إلى عبادة ربه، فعند إصابة أحدنا بالملل وهو يداوم على صالح العمل عليه أن يستشعر قيمة ما يقوم به وما له من الأجر عليه، حيث كان مسلمة بن عبدالملك إذا أكثر عليه أصحاب الحوائج وخشي الضجر أمر أن يحضر ندماؤه من أهل الأدب فتذاكروا مكارم الأخلاق في الناس وجميل طرائقهم ومروءاتهم. النعيم المقيم وفي المدنية المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة أمس عن وعد الله الحق، موصيا المسلمين بتقوى الله -عز وجل- والمسارعة إلى الخيرات ومجانبة المحرمات. وقال إن النفس لا تسلم من الجهل إلا بالعلم النافع الذي جاءت به الشريعة، ولا تسلم من الظلم إلا بالعمل الصالح، ولابد للمسلم أن يرغب إلى الله دائما ويدعوه لصلاح نفسه، وأوضح أن النفس إذا زكيت وطهرت بالعلم النافع والعمل الصالح تحولت إلى نفس مصدقة بوعد الله مطمئنة منيبة إلى ربها، تبشر بالكرامة عند الموت، قال تعالى "يا أيتُها النفسُ المُطمئِنةُ ارجِعِي إِلى ربِكِ راضِية مرضِية فادخُلِي فِي عِبادِي وادخُلِي جنتِي"، مشيرا إلى أن قاطع سبل الخير والداعي إلى كل معصية وشر، عدو الإنسان الشيطان الرجيم الرجس النجس، نعوذ بالله، منه جعله الله فتنة للمكلفين، من أطاعه كان بأخبث المنازل، ومن عصاه كان بأفضل المنازل.