إذا كان قديماً قال هيرودوت عالم التاريخ اليوناني: إن «مصر هبة النيل» للتأكيد على أهمية نهر النيل للحياة في مصر، كذلك تأثيره على الحضارة المصرية، فإن الجزيرة العربية هي «هبة موقعها» الإستراتيجي الذي جعل منها جسر تواصل بين دول العالم، وتلعب دوراً مهماً في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. ففي التاريخ القديم كان هناك خمسة طرق تجارية شكلت هذا التاريخ ولعبت دورا مهما فيه، طريق الحرير، طريق البخور أو طريق اللبان، طريق العنبر، طريق الخيول والشاي، الطريق التجاري عبر الصحراء الكبرى. ويعد طريق البخور أحد أهم طرق تجارة القوافل قديماً، ومعبرا تجاريا دوليا بين الشرق والغرب. وكان للجزيرة العربية دور مهم وحيوي في هذا الطريق من خلال ربط جنوب وجنوب شرق الجزيرة العربية التي تنتج السلع وأهمها البخور بالحضارات المجاورة المستهلكة في بلاد الرافدين وبلاد النيل وبلاد الشام. وكان البخور أحد أغلى السلع في العالم القديم. فتجارة البخور واللبان التي كانت تتميز بها اليمن وعمان، تعتبر من السلع الأساسية في تلك الفترة وهي بأهمية النفط في عصرنا الحديث. ومن أهم مسارات طرق القوافل القديمة في شبه الجزيرة خمسة مسارات مهمة هي: مسار العلا، الذي يبدأ من ميناء عدن وقنا في اليمن في جنوب الجزيرة العربية ثم يتجه نحو نجران فالطائف ثم مكة ويثرب وخيبر والعلا (ديدان) ومدائن صالح (الحجر) ثم ينفصل الطريق ليتجه فرع منه إلى واحة تيماء ومنها يتجه إلى بلاد الرافدين، أما الفرع الآخر فيستمر باتجاه الشمال إلى البتراء وغزة في أرض فلسطين متجها إلى بلاد الشام وبلاد النيل. مسار قرية الفاو، والذي يبدأ من ميناء مأرب في اليمن، ويتجه نحو نجران ثم يتجه نحو الشمال الشرقي في وادي الدواسر ويمر بقرية الفاو عاصمة مملكة كندة ومنها يتجه نحو الأفلاج ثم اليمامة وإلى واحة يبرين جنوب غرب الهفوف ومنها إلى جرها على ساحل الخليج العربي. مسار القصيم، يبدأ من جرها باتجاه الهفوف ثم يتجه إلى شمال ارض اليمامة في نجد ثم يتجه إلى الشمال الغربي موازيا لسلسلة جبال طويق ثم يتجه غربا إلى إقليم القصيم، ومنه إلى حائل ثم إلى تيماء متجها إلى البتراء باتجاه الشام. مسار نجد، والذي يبدأ من حضرموت بمحاذاة ساحل بحر العرب والمحيط الهندي، ثم الخليج متجها شمالا مارا بمحاذاة الحدود الشرقية لهضبة نجد ثم يتجه منها إلى الشمال في اتجاه بلاد الرافدين أو نحو الشام. مسار الربع الخالي، والذي يبدأ من حضرموت ومنطقة عمان، متجها إلى إقليم اليمامة مرورا عبر الطرف الشرقي من الربع الخالي صاعدا شمالا إلى بلاد الشام أو بلاد الرافدين. وعليه فقد ساعدت هذه الطرق والمسارات في نشأة كثير من المدن والممالك والأسواق التجارية على امتداد هذه الطرق. كما أن هذه الطرق كانت مصدر دخل هام لهذه الممالك. وبحسب الدكتور علي غبان العالم الأثري، استنادا إلى الرحالة الأجانب فإن ما يتم فرضه على هذه القوافل لتوفير الحماية والمأوى وغيرها يعادل 16% من إجمالي التجارة. أيضا فإن هذه الطرق كان لها أثر مهم في انتعاش المراكز الثقافية والمنتديات الشعرية مثل سوق عكاظ ودومة الجندل وغيرها. إذن فالجزيرة العربية التي تغطي السعودية جزءا كبيرا منها هي ملتقى حقيقي للحضارات القديمة، وكان لها دور حضاري واقتصادي وسياسي مهم في الفترات والعصور التي سبقت ظهور الإسلام وتطورت بشكل كبير بعد الإسلام.