بعد سبع سنوات من القتال في سوريا، خسر فيها «حزب الله» المئات من مقاتليه، حان موعد الخروج من هذه الحرب التي أنهكته واستنزفته والعودة إلى ربوع الوطن. وبحسب أنباء متداولة فإن عناصر حزب الله المقاتلين في سوريا كان يتراوح عددهم ما بين 5000 و8000، شرع نصفهم في العودة إلى لبنان. إلا أن هذه العودة ليست عودة النصر كما كان يعتقد الحزب، بل هي عودة إجبارية، تنفيذاً لأوامر إيران التي تشهد تضييقاً لنفوذها في سوريا، مقابل النفوذ الروسي الواسع، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى صحة هذه الأنباء، وعلاقتها بالتململ الدائر داخل طائفة الحزب التي تحمله مسؤولية تحويله وقوداً لإيران في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ويوضح الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي في تصريح ل«اليوم»، أن المعلومات عن تحضير حزب الله لبدء سحب قواته وعناصره من سوريا ليست بالجديدة، فهذه الأخبار بدأت تتردد منذ أشهر، بعدما ظن الحزب وإيران والنظام السوري، أنهم حققوا نصراً معيناً على الأرض، فرأت القيادة الإيرانية أن المسألة يمكن أن تشكل سبباً لتخفيف أعداد المقاتلين والميليشيات التي زجتها إيران في الحرب السورية، وفي طليعة هذه الميليشيات حزب الله. وقال الزغبي: مسألة انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا ليست مرتبطة بنصر هنا أو هناك، أو تغيير جغرافي هنا أو هناك، بل مرتبطة بالوضع الإيراني العام، لأن إيران دخلت مرحلة بالغة الدقة والخطورة تحت ضغط العقوبات الأمريكية والسياسة الأمريكية الجديدة لتقليم أظافر النفوذ الإيراني في المناطق العربية، هذا ما نراه في اليمن من خلال المعركة المتقدمة في الساحل الغربي ومدينة الحديدة تحديداً، وهذا ما شاهدنا طلائعه في العراق من خلال نتائج الانتخابات التي حصلت مؤخراً وما نشهده في الميدان السوري من خلال التفاهمات الأمريكية الروسية الإسرائيلية، لإضعاف الحضور العسكري- الإيراني في سوريا. وأضاف الزغبي: إذاً مسألة انسحاب عناصر حزب الله من سوريا، ليست كما يحاول الحزب أو إيران أو النظام السوري إيهام الرأي العام بأنه نتيجة انتصارات للنظام على الأرض، بل هذا الانسحاب هو تدبير وقائي تجاه السياسة المتصاعدة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، فإيران تمر بمرحلة صعبة وهي تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة من اليمن مروراً بالعراق حتى سوريافلبنان. ويستطرد إلياس الزغبي: لذلك، فإن حزب الله بدأ بحسب المعلومات المتوافرة حتى الآن، بسحب مجموعات من قواته المقاتلة في سوريا، ربما تبلغ النصف أو أقل أو أكثر ليس هذا هو المهم، لا بل المهم هو أن انعكاسات ذلك على لبنان، لا تشكل حلاً للأزمة اللبنانية، إذا عاد الحزب من سوريا ومن المناطق العربية الأخرى الى لبنان، بل ربما ستكون الأزمة في اتجاه جديد أشد تعقيداً بحيث لا يكمن الحل في عودة هؤلاء إلى لبنان، لا بل في حل ميليشيات حزب الله بحدّ ذاتها تحت غطاء إستراتيجية دفاعية جديدة أو تحت غطاء اتفاق الطائف نفسه، الذي يفرض حل كل الميليشيات واقتصار المسؤولية العسكرية والسيادة والأمن والاستقرارعلى عاتق الجيش اللبناني. ويعتبر المحلل السياسي أن النتائج الكارثية التي أسفرت عنها الحروب التي خاضها حزب الله في سوريا، انعكست سلباً على قاعدته في الطائفة الشيعية، فهناك تململ واسع داخل هذه الطائفة لأنها تتلقى تباعاً وبوتيرة متسارعة أنباء القتلى والعناصر الذين يسقطون في هذه الحروب التي يشنها الحزب حتى الآن، ففي الفترة السابقة كانت الوتيرة أكثر بكثير لإعادة جثث القتلى من سوريا، موضحا ذلك بقوله: الآن هناك وتيرة أقل تسارعاً ولكنها تؤثر بشكل مباشر على عائلات هؤلاء العناصر الذين يسقطون ومنهم من سقط في اليمن والعراق، ولذلك فإن هذه البيئة الحاضنة لحزب الله بدأت تحاسب القيادة، فلا بد من تخفيف الأضرار، وهذا سبب يضاف إلى الأسباب التي دفعت حزب الله، وبالطبع القيادة الإيرانية إلى سحب بعض المجموعات المقاتلة في حزب الله وغيره من الميليشيات العراقية والأفغانية التي زجت بها إيران في سوريا، فجميعها بدأت تعود بشكل أو بآخر إلى بلدانها تحت ضغط المحاسبة الدولية للنفوذ الإيراني، وتحت ضغط بيئة حزب الله الشيعية في لبنان التي بدأت تحاسبه على هذه النتائج الخطيرة. من جانبه، يرى المحلل السياسي والمعارض الشيعي لقمان سليم، في تصريح ل«اليوم» أن هناك أمرا آخر فبقدر ما تنتفي حملة حزب الله لنشر قوات في سوريا، سوف يحاول السحب من قواته هنالك، وباعتبار أن مستوى العمليات العسكرية انخفض في سوريا، فمن الطبيعي أن يكون الحزب قد أعاد بعض قواته، لا سيما القوات غير النظامية. وقال سليم: لكن هل هذا هو بيت القصيد، أي هل عملياً سحب هذه القوات تحديداً غير النظامية إلى لبنان، ومحاولة إعادتها إلى حياتها السابقة على الحرب، هل هو بيت القصيد، ولهذا أعتقد أنه ليس هنا بيت القصيد، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، السبب الأول هو أن القرار لا يؤخذ في بيروت، بل في طهران، وطهران هي مَنْ تقرر أن تسحب أو لا تسحب، أما الأمر الثاني، فهو سحب هذه القوات وتحديداً غير النظامية، هل يقرر شيئا من سيطرة الحزب على مقاليد الدولة اللبنانية، هل يقلل من سيطرة الحزب على المعابر الحدودية، ثم هل يمنع أن يعيد الحزب في حال اقتضى القرار الإيراني ذلك، إعادة نشر هذه القوات في سوريا، بالطبع أن الجواب عن كل هذه الأسئلة هو لا، وبالتالي إما أن ننطلق من أنه بالنسبة إلى المنظور الإيراني يعتبر لبنانوسوريا هما ساحة عمليات واحدة، وسحب هذه القوات من الأراضي السورية واللبنانية لا يعني شيئاً، فهناك إعادة تموضع وليس سحب، نتحدث عن انسحاب القوات عندما تنتفي يد حزب الله العليا عن الدولة اللبنانية. أما بالنسبة الى تململ الطائفة الشيعية، فيضيف لقمان سليم: إن هذه الطائفة تتململ كما يتململ كل اللبنانيين، لا بل أخشى ما أخشاه أن يؤدي انخفاض الحاجة إلى مقاتلين في سوريا إلى تصاعد الأزمة الاجتماعية في أوساط حزب الله في لبنان.