مع بدء التطبيق الإلزامي التدريجي لكود البناء السعودي خلال هذه الايام، أصدر معالي وزير الشؤون البلدية والقروية قرارا بإنشاء وحدات إدارية بكل الأمانات والبلديات في المملكة لإدارة كود البناء تتولى تطبيق نظام كود البناء، والذي صدر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم م/43 بتاريخ 26/4/1438 والذي شارك في اعداده جهات حكومية وخاصة.. وأثمرت جهود السنوات المتواصلة والعمل الدؤوب الذي كان برعاية الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة في بداية الفترة وحتى انشاء اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي التي باشرت العمل في تنسيق الجهود الجماعية، وبلورة مشاركات المختصين في جميع المجالات حتى تم اصدار الكود الذي يكون من أكثر من 22 مجلدا من الاشتراطات والمتطلبات والشروحات المختلفة. وكود البناء هو مجموعة الاشتراطات والمتطلبات المعمارية، الانشائية، الكهربائية، الميكانيكية، الصحية، الحماية من الحريق، وغيرها، وسيطبق على جميع مراحل البناء والتنفيذ بما في ذلك أعمال التصميم والاشراف والتنفيذ والتشغيل والصيانة والتعديل والازالة والهدم، ويلزم حصول المهندسين والفنيين والمراقبين العاملين في مجال الكود على رخصة ممارسة لكود البناء. لا شك أن إصدار كود البناء السعودي هو نقلة حضارية مهمة في مجال التنمية العمرانية وقطاع البناء والتشييد، ويهدف الى وضع الحد الأدنى من الاشتراطات والمتطلبات التي تحقق السلامة والصحة العامة من خلال متانة واستقرار وثبات المباني والمنشآت، كما سيسهم الكود لا شك في وضع حد للمنازعات بين الاطراف العاملة في قطاع البناء والتشييد. ان التحدي الأكبر الواقع على عاتق الجهات التنظيمية والمطبقة للكود هو جانب التدريب والتأهيل للعاملين في الأجهزة الحكومية المعنية بالتطبيق ومنسوبي المكاتب الاستشارية والهندسية التي تقوم بالتصميم والإشراف على البناء، ومقاولي البناء، والجهات الرقابية والقضائية.. ويجب أن تهدف برامج التدريب والتأهيل إلى تعميق ثقافة الكود في مجتمع البناء والتعريف بالجوانب التنظيمية والتطبيقية بالإضافة إلى الجوانب الفنية... ويستدعي ذلك التنسيق مع الجامعات والمعاهد الفنية لإدخال كود البناء السعودي ضمن البرامج الأكاديمية، واستحداث برامج متخصصة في التفتيش ومراجعة المخططات، واعتماد أهلية المفتشين ومراجعي المخططات والمتخصصين في مختلف جوانب البناء والتشييد وخصوصا في المجالات التخصصية كاللحام وأعمال الحديد والمصاعد الكهربائية وأعمال جسور الطرق وخلافه.... والتحدي الآخر هو تكييف البيئة الإدارية، وتطويع الثقافة التنظيمية القائمة في إدارات البلديات والأمانات مع الكود تمهيدا لتطبيقه، إذ لا تستوعب الهياكل التنظيمية الحالية للبلديات طريقة عمل وتطبيق الكود. وللهيئة الملكية للجبيل وينبع تجربة معاشة في هذا المجال، حيث تبنت كود البناء العالمي الموحد (UBC) آنذاك في عام 1406ه، وسعت إلى التعاقد مع مكاتب استشارية ذات خبرات عالمية لتنظيم ووضع سياسات وإجراءات البناء لمدينتي الجبيلوينبع، وإلى استحداث وثيقة تسمى بإدارة لوائح البناء تعنى بالإجراءات التطبيقية والعمليات الإدارية والتشغيلية التي تحكم تطبيق الكود بما فيها تطبيق المسميات التنظيمية المعتمدة في الكود في مختلف مراحل التصميم والإنشاء. ولا خبر كالعيان، اذ ما نراه اليوم من حسن تنظيم وإدارة، وإنشاءات متينة في أحد أكبر المشروعات الهندسية في العالم كالجبيل أو ينبع لدليل على نجاح تلك الممارسة وثراء تلك التجربة والتي ينبغي أن لا تهمل. ومن المؤمل أن تباشر الإدارة المستحدثة في وزارة الشؤون البلدية والقروية لإدارة شؤون تطبيقات الكود هذا الدور وأن تقوم بالإشراف على صياغة وتنفيذ البرامج التأهيلية والتدريبية للعاملين في البلديات والمكاتب الهندسية، وإعداد الأدلة الإرشادية المبسطة عن استعمالات وتطبيقات الكود، بالإضافة إلى تهيئة البيئة الإدارية في البلديات المحلية لهذا الغرض عبر وضع الهياكل التنظيمية والوصوفات الوظيفية والمهام التفصيلية لأجهزة تطبيق الكود، وسن السياسات الخاصة بمراقبة وتنظيم التصاميم وإصدار رخص البناء ونظام مراقبة المباني وإجراءات التفتيش والاعتمادات المهنية، ووضع نظم للتوثيق بالإضافة إلى إعداد أنظمة الكترونية ميسرة لاستقبال ومتابعة إجراءات المراجعة والتفتيش والاعتماد عبر نظم مراكز الخدمة الشاملة (one stop shop). ويحدونا الأمل بأن الجهود المبذولة على مدى قرابة الثلاثين عاما والذي كان لي شرف المشاركة في بعض أنشطتها التأسيسية وأعمال اللجان المتعددة منذ عام 1409، ممثلا للهيئة الملكية للجبيل سوف يكلل بالنجاح بما يكفل تحقيق الأهداف المرجوة، ورفع جودة أعمال البناء والتشييد والحفاظ على متانة الاقتصاد من خلال ضمان سلامة المنشآت وقاطنيها من الأخطار. وقد يستغرق هذا الحراك المنظم بعض الوقت، ولذا أهيب باللجنة الوطنية لكود البناء السعودي، الرفع للجهات المسؤولة باقتراح تأخير التطبيق الإلزامي للكود لعامين او ثلاثة لإنجاز المهمة مع وضع خارطة طريق إستراتيجية وجدول زمني محدد يحدد المهام والمسؤوليات، بمؤشرات قياس لتنفيذ ذلك، وتركيز كل الجهود على التوعية وتهيئة البيئة الادارية والفنية والقانونية للتطبيق. ما نشهد الآن، أن اللجنة الوطنية تعمل بشكل دؤوب استعدادا لمرحلة التطبيق من خلال اعداد اللوائح التنفيذية لنظام الكود واعداد لائحة تصنيف المخالفات والغرامات المالية، إضافة إلى محور التوعية والتثقيف عبر ورش العمل المنعقدة حاليا في بعض المدن، وبما أن تطبيق الكود هو عملية مستمرة، ينبغي أيضا تضمين عمليات التحديث والتطوير لاشتراطات الكود ووضع آلية له لمعالجة الثغرات والاستفادة من الخبرات، وصولا إلى إطار مؤسسي متكامل محكم يضمن الفعالية في تطبيق الكود وتحديثه وفق أسس علمية منظمة. [email protected]