** لأول مرة أطل من شرفة غرفة الفندق على ثورة، ربما أول مرة في حياتي، حيث ولدت بعد جميع الثورات العربية كما ولدتم والتي لم يكن جيلها أحسن حالا من جيل ما قبلها. لقد تساوت الثورات العربية التاريخية جميعها بإلغاء كرامة العربي، تمزيقه، أدلجته، وسرقته، لم تبخل طول عمر حكمها بأداة واحدة لبناء تخلفه وتراجعه عن حركة المشروع الحضاري العالمي إلا وعززته. ** نعم تساوت الثورات جميعها في تدمير الإنسان العربي لا في بنائه، في ايذائه لا في حفظ كرامته في طحنه يوميا، لا في ازدهاره، وبخلاف الثورات التي صنعت مجدا لأمتها وشعوبها، لم يكن لدى ثورات الوطن العربي إلا إنتاج التخلف وإعادة تدويره وتكريسه. تساوت الثورات جميعها في تدمير الإنسان العربي لا في بنائه، في ايذائه لا في حفظ كرامته، في طحنه يوميا، لا في ازدهاره. ** ها هي الصورة من الميدان، من قرب لثورة لا يمكن تسميتها ناعمة، وهي ليست ناعمة أو عنيفة، هي ليست مثل تونس واليمن، سوريا وليبيا، هي صورة مختلفة تماما عن المشهد الذي حدث في الوطن العربي. كما ليس بالضرورة ان تعبر عنها نشرات الأخبار ومحطات التلفزة العالمية بدقة كما هي في الواقع، حيث يعجز مراسلو الصحافة عن وصف هذه اللوحة التي تصر على حكم القانون والعدالة، حيث العبور من النفق الى معبر الحياة الكريمة. ** في القاهرة، أن تشاهد الوجوه في يوم عمل عادي، وجوه ضائعة، حايسة في لقمة عيشها منذ عقود طويلة غابت فيها العدالة الاجتماعية، وهو نفس المشهد في الدول التي قامت بها ثورات في البلدان العربية حتى النفطية منها، نفس المشهد راسخ في وجوه الناس، نفس البؤس والحرمان والتخلف. ** حتى النفطية منها مثل العراق وليبيا، لم تستفد من نفطها، حيث قامت على جثث شعوبها، وفي المقابل نموذج رائع في جمع شمل قبائل متباعدة ومتناحرة على يد المؤسس في الجزيرة العربية واستغلال أفضل للموارد النفطية بدول الخليج التي عززت وجودها وأعزت شعوبها. ** أعود للميدان ربما هي المرة الأولى التي نشاهد في حياتنا ثورة، بعد جميع الثورات العربية السابقة التي لم يكن جيلها أحسن حالا من جيل ما قبلها ولا جيلها الحاضر، ثورة واضحة، دقيقة في ملامحها وفي خطها الفاصل في مسح الذل من وجه العربي .. هذا هو المطلوب .. إعادة الكرامة.