أكد القاضي الدولي الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض القاضي السابق بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب وأستاذ القانون الدولى بجامعة السوربون الفرنسية وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان المصري ان الرئيس السوري بشار الاسد لن يفلت من العقاب على ابادته الشعب السوري كما أفلت والده بعد مذبحة حماة التي راح ضحيتها نحو 40 الفا من الاخوان المسلمين، موضحا ان عائلة الاسد ارتكبت الكثير من جرائم الحرب في حق الشعب السوري بإبادة القرى وحصارها بالآليات العسكرية وقصفها بالطائرات وبشكل ممنهج. وقال رياض في حواره ان جامعة الدول العربية خذلت الشعوب العربية ولم تعكس نبضها ومطالبها وكانت دائما تمثل الحكومات، لذلك قررت مجالس حقوق الانسان العالمية اطلاق «جامعة الشعوب العربية» لمواجهة الجامعة العربية التي لم تمثل سوي الحكومات وتجاهلت الشعب. والى نص الحوار: - في البداية.. طالبتم مؤخرا بضرورة الاستعانة بقضاة دوليين في محاكمة مبارك ورموزه؟ لماذا وهل تعتقد ان القضية بها اخطاء قد تؤدي الى كارثة ما؟ هذا صحيح للأسف, فأنا أعتقد أن المحاكمة الحقيقية للرئيس السابق ورموزه ما كان يجب ان تقتصر على ما ارتكبوه في 18 يوما ثورة فقط ولكنها كان يجب ان تشمل كل جرائمهم عن 30 سنة سابقة والأدلة موجودة في تقارير مجلس حقوق الانسان نفسه لان هذا النظام كان يخالف مبادئ حقوق الانسان سنويا في السجون فقد كان هناك العشرات يموتون في السجون وهناك تعذيب وسجن بدون محاكمة وعدم تنفيذ احكام في البراءات، وما أخشاه من محاكمة 18 يوما ان يخرج القاضي الذي يلتزم بالأدلة بقرار لا يرضي الطرفين سواء كان فلول النظام او حتى الشارع الذي يشعر ان لديه حقا عند سجناء طره، لهذا تراني أشفق على قضاة التحقيقات. - وهل تعتقد انه من الممكن ان يكون هناك حكم سياسي؟ لا اعتقد ان هذا ايضا سيصلح طالما اننا رضينا بالمحكمة والقضاء العادي، والا سيصبح بطلا مثلما حدث مع صدام حسين الذي اباد شعبه ولكنه في النهاية اصبح بطلا لأن طبيعة المحاكمة لم تكن سليمة, لذلك اعتقد ان محاكمة مبارك كان يجب ان تكون دولية لان ما ارتكبه نظامه طوال 30 عاما يعد من جرائم الحرب، ألم يمارس عملية الابادة الكاملة في حق الارض الزراعية، ألم يمارس الابادة الكاملة بحق الغذاء وأصبح المصريون في عهده حاملي الامراض السرطانية والوبائية، بالاضافة الى الجهل والفقر والجوع وكل هذه الجرائم لها ادلة لا يمكن محوها ويعاقب عليها القانون الدولي، لذلك كنت اتمنى ان يحاكم محاكمة دولية وبعيدا عن الجمهور لانه ليس من المهم اقامة العدل ولكن يكفي ان يرى الناس ان هناك عدلا. - وهذه ليست اهانة لمصر لانها ستطلب محاكمة مبارك في المحاكم الدولية؟ بالعكس.. وهذا التفكير السطحي ضيعنا لان التحكيم الدولي اصبح حقيقة وخصوصا القضاء الذي يحقق في الجرائم ضد الانسانية مثل التعذيب الجماعي والقتل الجماعي والاضطهاد الجماعي مثل اسرائيل، وكان يجب ان تشكل محكمة مثل المحكمة التي شكلت لميلوسوفيتش وهي محكمة خاصة تجمع بين قضاة محليين وقضاة دوليين. - ألا تعتقد انه كان من الافضل بدلا من الاستعانة بالمحاكم الدولية لمحاكمة مبارك كان يجب ان يحاكم محاكمة ثورية؟ لا شك أن تقدير محاكمة رئيس الدولة السابق أمام المحاكم المدنية وليس أمام محكمة ثورية يعد أسلوباً حضارياً جديراً بالتقدير من المجتمع الدولي كله لأنه دائماً ما يخشى بعد الثورات أن تتم محاكمات ثورية على نمط الثورة الفرنسية وتجاوز المبادئ الأساسية للمحاكمات، وأهم هذه المبادئ مبدأ تكافؤ الأسلحة بمعنى انه يجب منح الدفاع قدراً من الحقوق ومن وسائل الدفاع والشهود يعادل ما يمنح لسلطات الاتهام فضلاً عن وجوب العلانية في المحاكمة حتي يطمئن الرأي العام. - وماذا عن محاكمة كبار معاونيه؟ ما يتعلق بمحاكمة كبار المسؤولين استقر القانون الجنائي الدولي على المبدأ المعروف بمسؤولية الرؤساء, وهذا المبدأ يقضي باعتبار أن الرئيس الأعلى الذي يملك السلطة الفعلية مسئول عن أي جريمة يرتكبها من هم تحت إمرته سواء كان أعطى أمراً بارتكابها أم لم يعط، لانه من المفترض أن بيده منع هذه الجرائم بما لديه من سلطة فعلية، ورغم ذلك القاضي لا يحكم إلا في ضوء الأدلة التي تقدم إليه، ومن ثم فقد يبرئ متهماً يرى المجتمع وجوب إدانته، ولكن القاضي يضطر لتبرئته لعدم كفاية الأدلة المقدمة إليه كما قلت. جرائم ضد الانسانية - كيف ترى الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب المصري ويحاكم فيها مبارك وكبار نظامه؟ وهل بالفعل ترقى الى مستوى جرائم الحرب؟ الجرائم المرتكبة ضد الشعب المصري تعد جرائم ضد الإنسانية، ومن ثم فإنها لا تسقط بالتقادم ويمكن محاكمة مرتكبيها مهما طال عليها الزمن، لذلك أقترح تشكيل لجنة تقصي حقائق تقوم بالتحري عن كل ما ارتكب ضد الشعب المصري من جرائم خلال العقود الثلاثة الماضية وتقديم مرتكبيها الى القضاء، تحقيقاً للعدالة من ناحية أو ترضية لنفوس المجتمع المصري الذي ذاق العذاب والهوان، ولهذا قد حرص حكام مصر على عدم الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية والتي تم إنشاؤها في أوائل هذا القرن لأسباب واضحة ولكن قد آن الأوان للانضمام لهذه المحكمة. هذا سؤال يشغل بالي خاصة أني كنت قاضياً بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب، وشاركت في محاكمة كبار المسئولين على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بما فيها جريمة الإبادة الجماعية التي تسمي بجريمة الجرائم، وإذا كانت مصر عضواً في الجنائية الدولية ربما كان في الإمكان تقديم المسئولين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل وتعذيب في السجون وفي غيرها، بل بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، إذ بنص اتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس التي صادقت عليها مصر وكانت من أولى الدول التي صدقت عليها، فنجد المادة الثانية الخاصة بالإبادة الجماعية وتعني إلحاق أذى جسديا أو روحيا خطيرا بأعضاء الجماعة القومية، وبإمعان النظر فيما مرت به الجماعة المصرية، ولا تزال تمر من مخاطر يمكن القول فعلاً بأنها قد لاقت من الأذي الجسدي والروحي ما قد يعرضها إلي الأذى الخطير إن لم يكن للفناء كلياً أو جزئياً. - اذا كنت تتحدث هكذا على مصر وهي لم تشهد ما شهدته سوريا فماذا سيكون الوضع بالنسبة لبشار الاسد؟ الامر هنا سيختلف بالطبع.. لان ما يحدث في سوريا هو ابادة جماعية ممنهجة بكل اركانها، خاصة وان الالة العسكرية تقوم بحصد الآلاف من الارواح بالاضافة الى حصار وقصف المدن والقرى، واضطرار الدول العربية للجوء الى مجلس الامن كان مبررا لعجزهم عن ايجاد اي حل لوقف قتل السوريين، والحقيقة انني لا اتعجب مما يحدث فقد حدث في جميع عهود اسرة الاسد من حافظ الذي أباد الاخوان المسلمين في حماة وهي جريمة دولية وجريمة حرب يعاقب عليها حافظ الاسد ولكنه افلت من العقاب والآن لا نريد سيناريو حافظ يتكرر مع بشار ونجعله يفلت من العقاب على ما ارتكبه في حق الشعب السوري. - ولكن العرب وقفوا عاجزين لسنوات طويلة على جرائم دولة مثل اسرائيل؟ ليس معنى اننا عاجزون الآن عن محاكمة اسرائيل على ما ترتكبه من جرائم ابادة في حق الشعب الفلسطيني اننا سنصمت على ما يرتكبه البعض في حق الشعب السوري واليمني والليبي وسيأتي اليوم الذي نقتص لهم. - لماذا لا يكون لدى جامعة الدول العربية وسيلة ردع ضد كل من يرتكب جرائم حرب وحماية الشعوب العربية؟ قد يغضب مني الكثيرون, ولكنني اعتقد ان جامعة الدول العربية لم تنظر الى الشعوب العربية في اي وقت من الاوقات، حتى اننا اقتربنا من الانتهاء من دراسة فكرة انشاء «جامعة الشعوب العربية» لتمثل الشعوب العربية امام جامعة الدول العربية التي مثلت طوال 65 عاما الحكومات العربية ولم تنفذ مطالبهم او حتى تستجب لآلامهم. - انت مؤمن بدور المحكمة الجنائية الدولية رغم انها لم تحقق اي شىء ولم تمنح الضعيف حقه وكانت دائما مع الاقوي؟ - اسرائيل لم ترتكب جرائم حرب فقط في فلسطين ولكنها ارتكبت نفس الجرائم في لبنان في 2006 ولم يستطيع العرب ان يذهبوا بها الى مجلس الامن؟ لانه كالعادة لم نستغل القانون الجنائي جيدا، فالممارسات الاسرائيلية في لبنان كانت تندرج تحت جرائم الحرب من الدرجة الاولى ويمكن توصيفها وفقا لاتفاقية تحريم الابادة الجماعية التي تم اقرارها في الأممالمتحدة، من خلال المذابح التي قامت بها ضد المدنيين اللبنانيين ومنع وصول المساعدات الغذائية والطبية للمحاصرين والمصابين فضلا عن قصف المستشفيات وهو ما حرمه القانون الدولي، وهذا يعني ان حق مقاضاة اسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها أمام المحكمة الجنائية الدولية لم يكن متاحا للبنان لأنه لم يوقع على اتفاقية روما الخاصة بإنشاء المحكمة، كما ان ذلك الحق غير متاح ايضا لمعظم الدول العربية باستثناء جيبوتي والاردن، وقال ان هذين البلدين يمكنهما في هذه المرحلة التقدم الى النائب العام للمحكمة بطلب البدء في اجراءات اقامة الدعوى ضد المسؤولين الاسرائيليين سواء السياسيين او العسكريين لمحاكمتهم عن جرائم الحرب في لبنان. - منذ ان بدأت الثورة في مصر حتى الآن حدثت العديد من الحوادث الكارثية وقمنا بانشاء لجان كثيرة لتقصي الحقائق ولكنها لم تؤدي الى كشف الحقائق...؟ مقاطعا.. لانها كالعادة لجان لوأد الحقائق وليس لكشفها، وتؤدي الى كوارث اكبر لانها تختزن في النفوس كراهية اكبر، ولو كانت اول لجنة منذ واقعة امبابة أتت بحل لما حدثت كل الكوارث والحوادث التي حدثت في ماسبيرو او في محمد محمود او في مجلس الوزراء او في بورسعيد، وهذه اللجان هي الطرف الثالث التي يتحدث عنها البعض وتسببت في تظاهر المصريين وتحرق مصر. - ولماذا تفشل لجان تقصي الحقائق؟ الجميع يعلم الاجابة.. لان هناك دائما من يهمه الا تخرج تقارير هذه اللجان بنتائج حقيقية، وهذا خطر جدا لان النفوس تشحن بالغضب، ولو اول هذه اللجان ادت واجبها من واقعة الجمل وماسبيروا ما استمرت التظاهرات، وأنا واجهت ما واجهت الكثير من اللجان من ضغوط وتعنت وعدم نشر للتقارير.