من السيئ والسيئ جداً.. الإسراف في الحب المتفاني للبشر، ذلك الحب الذي يصل إلى درجة تنزيه المحبوب من كل عيب، لدرجة تشبه العبادة، مع أن العبادة لله وحده لا شريك له، والحب المتفاني له ولنبيه «صلى الله عليه وسلم»، أما المحبة لهذه الدرجة لسائر الناس فإنها لا تحقق سوى التضليل عن حقيقة النواقص التي يتسم بها البشر، وهم الذين من طبعهم الخطأ وارتكاب المعيب من الأقوال والأفعال. ومهما كانت حسنات المحبوب فإن مثل هذا الحب لا يدوم، فمن طبيعة البشر الخطأ الذي قد يشوّه صورة المحبوب ويغيّر النظرة إليه، وحتى الحب العذري الذي مهما بلغت درجته، فإنه يظل قاصراً على علاقة رومانسية تتلاشى عندما تصطدم بواقع ربما كان سبباً في فراق أحد الطرفين عن الآخر، فعبادة الأصنام البشرية أي عبادة كائن من كان من البشر لدرجة العبادة المعنوية وليست العملية هي ضرب من تحييد العقل، وتوظيفه في اتجاه واحد لا يفي حتماً بكل احتياجات العاطفة، ولا يترك للعقل متسعاً للتفكير فيما هو المجدي للاستجابة لظروف الحياة، ومن يقصر حبه المتفاني على بشر، يفقد فرصة معرفة الناس، كما يفقد تنمية مدارك عقله باكتشاف قدراته على المعرفة الواعية للكثير من أمور الحياة والناس، ثم إن هذا النوع من الحب أشبه بعبادة من لا يضرّ ولا ينفع، وهما أمران بيد الخالق وليس المخلوق، فهو وحده الذي يضر وينفع. هذا النوع من الحب له دوافع أحدها التزلف والتزييف من باب الخوف والرهبة من بطش المحبوب إذا كان صاحب سلطة أو جاه، واحدها الطمع فيما سيجلبه هذا الحب من منفعة ومكسب شخصي، وأحدها التحايل والرغبة في تحقيق هدف واحد وهو الامتلاك في معظم الأحيان، حتى إذا تحقق هذا الهدف زال هذا الحب الذي بلغ ذروته قبيل تحقيق هدفه ثم يخبو ويتلاشى كأن شيئاً لم يكن، وكل ذلك يعني أن دوافع مثل هذا الحب إما الخوف أو الطمع، إذ لا يمكن قبوله إذا بلغ درجة الفناء في المحبوب، من السيئ والسيئ جداً.. الإسراف في الحب المتفاني للبشر، ذلك الحب الذي يصل إلى درجة تنزيه المحبوب من كل عيب، لدرجة تشبه العبادة، مع أن العبادة لله وحده لا شريك له، والحب المتفاني له ولنبيه «صلى الله عليه وسلم»، أما المحبة لهذه الدرجة لسائر الناس فإنها لا تحقق سوى التضليل عن حقيقة النواقص التي يتسم بها البشر. والتلاشي في شخصيته، والانقياد لأمره في الخير والشر. قد يعجبك قائد محنك وحكيم، وذو قدرات خارقة في الإنجاز وتحقيق النجاح تلو النجاح في كل مشروعاته الداخلية والخارجية، وقد تعجبك امرأة ذات جمال أخّاذ وثقافة عالية، وقد يعجبك شيخ جليل تجد في علمه منهلاً عذباً للتزوّد بسلاح المعرفة، وقد يعجبك عالم نال أعلى الدرجات العلمية، وتبوّأ مركزاً مرموقاً في مجتمعه، وقد يعجبك ويعجبك ويعجبك، ويصل بك الإعجاب إلى حدِّ التفاني في الحب لتصل إلى ما يشبه الولاء المطلق والاعتقاد بأن مصيرك متعلق برضا او غضب ذلك المحبوب، وهو أمر ينسيك أن هؤلاء جميعهم بشر، خلقوا مثلك، وهم في نظر الخالق سواسية، ومكانتهم عنده مقرونة بمدى ارتباطهم به وولائهم له وإخلاصهم في عبادته، وقد كرّمك الله كما كرّمهم على كثير من خلقه، وخلقك كما خلقهم في أحسن تقويم، فلا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار تقواه، وخوفه من ربّه، لا خوفه من عباده. كم من قائد أحبه شعبه لدرجة لا تضاهى، وإذا بهذا الشعب يقود قائده نفسه إلى حبل المشنقة، لأنهم أحبوه خوفا وخشية من بطشه ثم انقضوا عليه في أول فرصة اتيحت لهم، وكم من رئيس أحبه شعبه ثم انقلب عليه أعوانه بعد أن ورّطوه في الفساد وأصبح بالنسبة لهم ورقة خاسرة، وكم امرأة جميلة زال حبها بعد أن عثت يد الدهر فساداً بجمالها، وكم من شيخ كان يبدو جليلاً وإذا به غارق في الرشاوى والتزييف والعبث بالمال العام، وتضليل العدالة، وكم من عالم هجر وطنه ليمسي بيد أعدائها، ناسياً فضل وطنه وأمته عليه، فساعد على محاربتها بشكل مباشر وغير مباشر. الحب لله وحده ولرسوله من بعده، أما الناس فهم بشر نمنحهم المحبة والاحترام، ونحفظ لكل منهم مقامه، ولكن ليس لدرجة التنزيه، ونحن بخير ما دام كبيرنا يعطف على صغيرنا، وصغيرنا يحترم كبيرنا، وغنينا يعطي السائل والمحروم حقه المعلوم، وما دمنا نتعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان والمعصية، ومن معصية الله ورسوله ان نحب لدرجة التنزيه، وان نبالغ في إبداء آيات الطاعة والولاء لمن لا يستحقها، وعبادة الأصنام البشرية ليست قصوراً في الوعي فقط، وتحييدً للعقل فقط، ولكن الأدهى والأمر، أنها تشكّل معصية واضحة للخالق. [email protected]