رغم أن قضية سكن العمالة الوافدة ( والعزاب ) بين العائلات تتجدد يوميا على الصعيد الإعلامي، إلا أن شكاوى المواطنين فيها لم تتجاوز محاور النقاش فيها المضايقات واختلاف أساليب المعيشة فضلا عن خوف أولياء الأمور من خطر العزاب، ونادرا ما تحدثت وسائل الإعلام عن تأثير هذه الظاهرة غير المباشر على تركيبة المجتمع السعودي ومستوى الترابط الاجتماعي بين أفراده، .. في هذا التحقيق نسبر غور هذه القضية ميدانيا، ونتدارس حجم الأثر الذي قد تتركه عملية مزج العائلات بالعزاب على العلاقات الاجتماعية لأفراد هذا المجتمع الخليط .. فإلى التفاصيل : الزحف العمالي في البداية التقينا فهد بن سعيد أحد سكان حي الثقبة الذي شاركنا في موضوع التحقيق قائلا :» في الماضي لم يكن يمكنك أن ترى عمالة وافدة يسكنون في وسط الأحياء بين العوائل، بل كانت أماكن سكنهم معروفة لدى الجميع في أطراف المدينة بعيدا عن الأحياء السكنية، أو أولئك الذين يسكنون في مقر عملهم أو في المنطقة الصناعية، لكن هذا الحال لم يستمر طويلا .. الآن تراهم في كل مكان في المدينة، والكثير من العائلات خاصة المستأجرين انتقلوا للسكن في أحياء أخرى أو في مدن أخرى خوفا من هذا الزحف العمالي !!، بصراحة هذه العمالة الوافدة حيث تسكن داخل الأحياء أثر علينا اجتماعيا، فقد افتقدنا كثيرا من الجيران الذين تربطنا معهم علاقات قوية، وكنا معهم أكثر من الأهل حيث انتقلوا للسكن في أحياء أخرى بسبب تواجد هذه العمالة الوافدة بيننا، فقد كان بعض الجيران مستأجرا في هذا الحي منذ سنوات، وكان مرتاحا للعيش فيه، وتربطه علاقات طيبة بجيرانه، لكنه فضّل الانتقال إلى منزل آخر حرصا منه على عائلته وأطفاله، وللأسف عدد من سكان الحي القدامى هو من يؤجر منزله القديم على تلك العمالة، نظرا لقدم منزله وعدم رغبة المستأجرين ( العوائل ) للسكن فيه، فيضطر لتأجيره سكنا لعمال الشركات دون مراعاة لمشاعر الجيران وأهالي الحي، وبالنسبة لي أود أن ننتقل لمسكن آخر بعيدا عن هذا الحي، لكن لا أستطيع ذلك لأن منزلنا ملك وليس إيجارا، وبالنسبة لتواصلنا مع جيراننا السابقين لم يعد كالسابق فبعد المسافة مع كثرة المشاغل منعت من تواصلنا وانقطعت الزيارات بيننا» تواصل قليل وفي مكان آخر من المنطقة الشرقية انتقلنا لمدينة صفوى والتقينا بسالم محمد حيث تحدث حول محور الموضوع فقال :» كانت بعض الأحياء تعج بالحيوية، وترى الأطفال يتعارفون ويلعبون مع بعضهم البعض من خلال التقائهم اليومي خارج المنزل، ولكن بعد سكن العمالة الوافدة في تلك الأحياء أثر ذلك على الحياة الاجتماعية هناك، فكثير من الآباء منع أبناءه من الخروج للشارع إلا للضرورة، حرصا عليهم خاصة عندما نجهل ما إذا كانت إقامة هؤلاء الوافدين نظامية أو من المتخلفين أو الهاربين المطلوبين بقضايا أمنية ؟! وكذلك عدم معرفتنا بهم، وعن مدى سلامة سلوكياتهم وأخلاقياتهم، فهذا الشيء قلل من عملية التواصل بين أبناء الحي الواحد، كما قلل من تعارفهم مع بعضهم البعض، حتى أصبحت تلك الأحياء هادئة إلى حد الملل، ولم تعد ترى أطفالا يلعبون خارج منازلهم إلا نادرا، وكذلك من تأثير سكن العمالة الوافدة داخل الحي بين العوائل هو انتقال بعض الأسر للسكن في مكان آخر، وكذلك عدم رغبة القادمين من خارج المدينة السكن بهذا الحي لانتشار العمالة الوافدة، مما أضعف الحياة الاجتماعية ومن عملية التواصل والترابط بين السكان»، وعما إذا كان يرغب بالانتقال للسكن في مكان آخر قال سالم :» أنا متمسك بالسكن داخل الحي لمعرفتي وعلاقتي الوطيدة مع من تبقى من الجيران الذي تربطني بهم علاقات طيبة وجيرة منذ فترة طويلة ولا أفكر بالانتقال إلى سكن آخر في هذا الوقت « ضعف الترابط وفي مدينة رأس تنورة تتكرر ذات المشكلة، والتقينا بسعيد الزهراني فتحدث عن تأثير سكن العمالة الوافدة وسط الأحياء قائلا :» بدون أدنى شك إن تواجد العمالة الوافدة وانتشارها بهذا الشكل وسط الأحياء يؤرق ويقلق أهالي وسكان الحي وخاصة أن جميعنا موظفون ونغيب عن المنزل طوال اليوم، فبعض الأسر قل تواصلهم مع بعضهم البعض كجيران نظرا لأن بعض منازل هؤلاء العمالة الوافدة ملاصقة لبعض المنازل، ويخشى رب الأسرة خروج عائلته لتلبية دعوة أو ما شابه إلا بتواجده، وهذا أدى إلى ضعف وصعوبة التواصل والترابط الاجتماعي فيما بين تلك الأسر وأثره على الحياة الاجتماعية في تلك الأحياء التي ينتشر بها سكن العمالة الوافدة بشكل كبير، فأرجو من الشركات والمؤسسات مراعاة شعور هؤلاء الأهالي واختيار مواقع أخرى لسكن عمالتهم بعيدا عن وسط الأحياء، لكي يتمكن أهالي الحي من ممارسة حياتهم الطبيعية بكل سهولة، فتواجد بعض من هؤلاء العمالة ولا أعمم طبعا قد يشكل خطرا، وقد سمعنا وقرأنا عن بعض تلك المشاكل التي حصلت في بعض المدن في بعض الصحف اليومية، ومنها اكتشاف مصانع للخمور في بعض سكن هؤلاء العمالة الوافدة، وبذلك يكثر تواجد المشبوهين القادمين لهذه الشقق المشبوهة مما يشكل خطرا على الحي وأهله»، وعن الحل لهذه الظاهرة من وجهة نظره قال الزهراني :» أتمنى أن توفر كل شركة سكنا لعمالتها داخل مقر الشركة أو إلزامهم بالسكن في مبان على الشوارع الرئيسة بعيدا عن وسط الأحياء السكنية «