يشهد قصر الإليزيه، خلال الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى باريس، أحد أهم ملامح العمل المشترك لتعزيز الشراكة التاريخية والقوية بين المملكة وفرنسا. والزيارة محطة مهمة في علاقات البلدين الصديقين المبنية على المصالح المشتركة والوشائج التاريخية. وأعلنت عاصمة النور عن الزيارة المرتقبة لولي العهد، وسط ترحيب كافة الأطياف الفرنسية، وتسارعت وسائل الإعلام الفرنسية، بالتأكيد على عمق علاقات الرياضوباريس، وتطلعهما لتوثيق وتعزيز التعاون الثنائي، وتطوير شراكتهما وتوحيد الرؤى بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك. دلالات ومغزى زيارة ولي العهد تحمل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، مغزى ودلالات مهمة جدا، فهي المرة الثانية التي تستقبل فيها العاصمة الفرنسية رسميا ولي العهد، وهي التي سبق وزارها عندما كان وليًا لولي العهد في يونيو 2016، وتناول اللقاء وقتها مع الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، سبل تعزيز العمل المشترك لمواجهة تطورات الأوضاع في المنطقة، بجانب تعميق التعاون الإستراتيجي بين البلدين، إضافة للشروع في تنفيذ اتفاقيات اللجنة السعودية الفرنسية، التي طرحت عند زيارة الرئيس هولاند إلى الرياض. والتقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إبان زيارته للرياض في نوفمبر 2017، وبحثا حينها تطوير التعاون الثنائي ضمن «رؤية 2030»، علاوة على تمتين الشراكة الاستراتيجية بين الرياضوباريس، وتكثيف الجهود المبذولة لتدعيم أمن واستقرار المنطقة، والتنسيق المشترك تجاه مكافحة الإرهاب، خاصة وأن فرنسا تعد من الداعمين الرئيسيين للتحالف العربي بقيادة السعودية والدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. علاقات مستمرة ضاربة في القدم علاقة السعودية بفرنسا تاريخية ومتجذرة وضاربة في القدم، فجمهورية فرنسا من أوائل الدول التي اعترفت بحكم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في 1926، وأرسلت وقتها قنصلا مكلفا لدى المملكة في 1929، وعقدت معاهدة «الجزيرة» بينها ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، عام 1931م. وبعد تأسيس المملكة في 1932، كانت فرنسا أول الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع السعودية، وأنشأت أول بعثة دبلوماسية في مدينة جدة عام 1936. ودخلت العلاقات السعودية الفرنسية مرحلة جديدة متميزة ومستمرة حتى الآن، عقب الزيارة التاريخية للملك فيصل -رحمه الله- إلى باريس في 1967، والمحادثات المكثفة التي أجراها مع الرئيس الفرنسي وقتها شارل ديغول، والتي نجم عنها ترسيخ العلاقات بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والتعاون في كافة المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين، ثم تعززت العلاقات بين البلدين لاحقا، وزادت من متانتها العلاقات المميزة التي ربطت بين الملك فهد -رحمه الله-، ثم الملك عبدالله -رحمه الله- مع رؤساء فرنسا السابقين، الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، والرئيس الأسبق جاك شيراك، والرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ثم الرئيس السابق فرانسوا هولاند. وبالتالي زار العديد من ملوك المملكة فرنسا، وبادلهم الرؤساء الفرنسيون الزيارات ذاتها، وارتبط البلدان بعلاقات اقتصادية وثقافية، حيث تمثل فرنسا المستثمر الثالث في البلاد. إسهام واستثمار وتبادلات مضاعفة وخطط تعتبر فرنسا شريكا رئيسا للمملكة، حيث احتلت خلال 2012 المرتبة الثامنة من بين أكبر 10 دول مصدرة للسعودية، بجانب احتلالها المرتبة 15 من بين الدول التي تصدر لها المملكة، ليتضاعف حجم التبادلات التجارية بين البلدين، ويصل إلى أكثر من 10 مليارات يورو في 2014، بزيادة ونمو بلغا 10% مقارنة ب2013. وتمثل فرنسا المستثمر الثالث في المملكة، وتصل قيمة أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 15.3 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت الاستثمارات السعودية في فرنسا نحو مليار يورو. ويعادل الاستثمار السعودي المباشر في فرنسا 3% من قيمة الاستثمار المباشر الأجنبي السعودي عالميا، و30% من الاستثمار المباشر الأجنبي لدول مجلس التعاون العربي الخليجي في فرنسا. ومنحت الهيئة العامة للاستثمار، في أبريل 2013 تراخيص جديدة لعدد من الشركات الفرنسية لتأسيس مشروعات استثمارية داخل المملكة في قطاعات ومجالات مختلفة، وهي من الدول المستهدفة في خطة الهيئة العامة للاستثمار الترويجية، وتحتل المرتبة الثالثة عالميا، من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية، التي استقطبتها المملكة بإجمالي استثمارات تجاوز 15 مليار دولار وتوزعت على 70 شركة فرنسية، تستثمر حاليا في السعودية. آفاق فرص الأعمال ورؤية «2030» يعد منتدى فرص الأعمال السعودي الفرنسي الأول، أكبر تجمع اقتصادي بين البلدين، ويهتم بالشؤون الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، بمشاركة كبار المسؤولين في البلدين، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين ورجال الأعمال. وتوفر «رؤية 2030» آفاقا جديدة للاستثمارات الفرنسية، خاصة في مجالات المدن المستدامة، وإدارة الموارد، والصحة والتدريب، والطاقات، والسياحة، والمياه والكهرباء، والاستثمار. وفي 13 أكتوبر 2015 أكد وزير الخارجية عادل الجبير أن هناك تطابقا في الرؤى بين المملكة وفرنسا في جميع الموضوعات التي تهم البلدين، مؤكدا أن الجانبين يسعيان لتعزيز العلاقات التجارية الضخمة بينهما وتوسيعها، وكان المنتدى الذي عقد في الرياض يهدف لإيجاد فرص لمستثمري البلدين، وتعزيز وتكثيف العلاقات التجارية القوية. اتفاق وتعاون ونجاح مشترك زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حينما كان وليًا للعهد ووزيرا للدفاع- في سبتمبر 2014 جمهورية فرنسا، تلبية لدعوة تلقاها من الرئيس فرانسوا هولاند. وأكد البيان المشترك الصادر عن الزيارة على أهمية المضي في تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المملكة وفرنسا، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما، كما أعرب الجانبان عن نجاح معرض الحج في معهد العالم العربي الذي افتتحه الرئيس هولاند في أبريل 2014، واتفقا على تعزيز التعاون بينهما في المجالين الثقافي والفني، بما في ذلك تنظيم المناسبات الثقافية في كلا البلدين. ونظم البلدان معارض متبادلة، أبرزها الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميرا للرياض، والذي حمل عنوان «معرض المملكة بين الأمس واليوم» وذلك في 1986. ثقافة وعلوم وتقانة وفعاليات وتدريب في بداية يوليو 2010، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السابق -رحمه الله- ونظيره الفرنسي بيرنار كوشنير معرض «روائع آثار المملكة» الذي استمر شهرين في متحف اللوفر، وعبر الأمير سعود الفيصل في كلمته وقتها، عن سعادته بتدشين المعرض في متحف اللوفر مع كوشنير. وفي أبريل 2012 أقيمت فعاليات الأيام الثقافية للمملكة في مقر اليونسكو بعاصمة النور باريس، التي تسرد تاريخ البلاد منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ونهضة وتطور السعودية ثقافيا وعلميا عبر الزمان مرورا بتفاصيل عديدة ووصولا إلى ما هي عليه الآن. وفي منحى التعليم والتدريب، استقطبت فرنسا الطلاب السعوديين في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي يمول ابتعاث مائة وثلاثين ألف طالب إلى الخارج، وأتاح برنامج لتدريب الأطباء المتخصصين، المستند إلى اتفاق وقع في 2011، استقبال مئات الأطباء السعوديين منذ 2006، ويجري اختيار خمسين طبيبا كل عام لمتابعة برنامج تدريب لغوي مدته سنة، قبل انضمامهم إلى المراكز الطبية الفرنسية، وتمثل الطبيبات السعوديات، أكثر من ثلثهم. أما في مجال البحوث، فقد أُبرم اتفاق تعاون علمي بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمركز الوطني للبحوث العلمية في 2016، وتمخض عنه إقامة برامج تعاون رفيعة المستوى، وشهدت الرياض في نوفمبر 2016 ندوة علمية جمعت زهاء أربعين باحثا من البلدين.