من المعلوم أن كل مجتمع يحتاج إلى ضوابط وتشريعات لتنظيم أموره وترتيب العلاقات بين أفراده، وبها يرتقي المجتمع ويمضي نحو التطور والازدهار، ومن هذه التنظيمات المحققة لمثل ذلك تنظيم العلاقات التعاقدية بين المؤجرين والمستأجرين الذي يتطلع له الجميع، لما له من آثار إيجابية جمة على المستوى الاقتصادي والاستثماري والعدلي وغيرها كزيادة التحفيز للاستثمار العقاري وتوابعه من القطاعات وخلق فرص العمل والتدريب والتأهيل للعاملين في القطاع التأجيري بالإضافة إلى تعزيز الأمن الوطني من خلال توثيق هوية أطراف العمليات التأجيرية والتعاملات المالية فيما بينهم. وقد كان باكورة هذا التنظيم تحصين العقد التأجيري وإعطاؤه القوة التنفيذية المرجوة وجعله سندا تنفيذيا يتجه أطرافه إلى تنفيذه مباشرة دون حاجة لسلسلة الإجراءات القضائية المرهقة. ومن تتبع واستقرأ أحوال التعاقدات التأجيرية قبل سن هذا التنظيم فسيرى مقدار النزاعات فيها واستغلال الأطراف غير المنضبطة لغياب الآليات الواضحة السريعة لمعالجة المشكلات والخلافات التي تنشأ من العلاقة التأجيرية، وهذا كله له أثره الكبير على مستوى الدولة سواء في انشغال المحاكم وقضاتها وموظفيها بحيز لا يستهان به من قضاياهم ومعاملاتهم بمثل تلك النزاعات والخلافات، أم في عزوف أصحاب المال والمستثمرين عن الاستثمار في قطاع العقار خصوصا السكني منه للأفراد لوجود التخوف من عدم وجود التشريعات المنظمة والحافظة لحقوق الجميع، وهذا العزوف الذي أشرنا إليه تجاه الاستثمار العقاري سيكون له آثاره التبعية على ركود العقار وانحسار وضمور أعمال المقاولات وتوابعها من روافد كقطاعات البيع للأدوات الكهربائية ولمواد البناء ونحوها، وهذه بدوره سيكون له أثره الذي لا يُستهان به على الناتج المحلي للدولة وعلى فرص العمل المتولدة عن تلك القطاعات. لذلك فنحن ما نفتأ أن ننادي دائما بأن التشريعات والقوانين المنظمة هي دائما المفتاح لأي تقدم ورقي تطمح إليه الدولة ورعاياها، وهي التي تحقق البيئات الآمنة والجاذبة للعمل والاستثمار وتوليد الوظائف وتحقيق الفرص. وقد أشرنا في أول الحديث إلى أن تحصين العقد الإيجاري ليكون سندا تنفيذيا واجب النفاذ لدى جهة الاختصاص هو باكورة للتنظيم المأمول بمعناه الواسع الذي يمتد ليشمل تنظيم سرعة الإخلاء وفوريته دون الحاجة للجوء لسلسلة الإجراءات القضائية وكذلك التعويضات المناسبة للمتضررين ليتحقق الردع المناسب لقاصدي الإضرار ومستغلي الفراغ التنظيمي لأفعالهم المخالفة للتعاقد مع غيرها من التنظيمات المندرجة ضمن الإطار العام لتنظيم العلاقات التأجيرية.