أحيانًا تقرأ قصيدة لشاعرة ما، وتُفاجأ بأنها كتبت بصيغة المذكر، فينتابك شعور حينها قد يصيب، والعكس صحيح، بأن هذه القصيدة غير صادقة، فإما أن مَن كتبها شاعر وليس شاعرة، أو أن الشاعرة لا تكتب بمشاعرها الأنثوية الحقيقية. مع العلم بأن الشعر يُعبّر عن صاحبه نفسيًّا وفكريًّا وحتى عن هويته وخصوصية لهجته، وقد عُرف كثيرًا عن شعر المرأة صدقه وعُمق تأثيره، وجميل عباراته؛ إذ شهد التاريخ عبر شاعراته قوة تأثير شاعريتهن، وجودة شعرهن، وصدق العبارة، ورصانة الأسلوب، وكان لشعر المرأة حضوره الوارف عبر عصور الزمان المتعاقبة، وسُجّلت أسماؤهن بمداد من ذهب، وحُفرت أسماؤهن على جبين الأدب بكل فخر واعتزاز مثل الخنساء، والولادة بنت المستكفي، وعليّة بنت المهدي، أخت الخليفة هارون الرشيد، وأمة الرحمن أم هناء الأندلسية، وحفصة بنت الحاج الركونية من شاعرات قرطبة، والتاريخ حافل بشاعراته اللاتي برزن في حقب متفاوتة من الجاهلية حتى عصرنا هذا. وما نريده من الزميلة الشاعرة هو تأنيث المفردة التي تتحدث فيها عن نفسها ولا تتحدث بلسان الرجل مطلقًا حتى يزيد جمال شِعرها جمالًا وتميزًا وتفردًا، وكما أنه لا يليق بالمرأة التحدث بلسان الرجل، كما يعاب جدًّا على الرجل التحدث بلسان المرأة، ويؤنث الضمير الذي يعود على لسانه. وهنا بعض الأمثلة: بعض الشاعرات تكتب: البارحة ساهرٍ والقلب مهتمي وصاحبي سالي ما يدري بهمّي والأصح: البارحة ساهرة والقلب مهتمي وصاحبي سالي ما يدري بهمّي وتُصرُّ بعض الشاعرات على تذكير ما وجب تأنيثه عنادًا وصلفًا ولا مبالاة، مع أني ومن وجهة نظري أنه تشويه لجمال شعرها وسلخ عن جلباب أنوثته وقناع لا يليق به، بل ربما يفضي بالمتلقي بالشك فيمن كتبت هذا النص، ولماذا هذا الإصرار على التشبث بمفردة التذكير، بينما التأنيث أنسب وأقوم. خلاصة القول: كوني أنتِ بما حباكِ الله من مميزات تجعلكِ متفردة سواء شعرًا أو نثرًا، ولا تنسلخي من أنوثتك بمفردات ذكورية لا تليق بكِ، ولا تُضفي بالعذوبة على شِعركِ، وعودي إلى ضفاف اللغة.