ارتفع نصيب الفرد السعودي من إجمالي الناتج المحلي الإسمي خلال العقد الماضى وبداية العقد الحالي رغم تأثر الناتج المحلي بالتقلبات في أسعار النفط ، فقد ارتفع معدل الدخل الإسمي للفرد السعودي إلى 20,651 دولارا في عام 2011 حسب التقديرات الأولية؛ أي بزيادة نسبية قدرها 118 بالمائة منذ عام 2000. ورغم الآثار السلبية التي تركها عدم نمو القطاع الخاصّ السعودي بالوتيرة المثلى على فرص تحسين المداخيل الحقيقية للمواطنين في المملكة ، لكنْ إذا احتسبنا معدّل دخل الفرد عند أسعار ثابتة - بهدف تلافي أثر التضخم - نجد أننا أمام صورة مغايرة تماماً لتلك التي ترسمها البيانات الإسمية. فالواقع يقول: إن معدل الدخل الحقيقي للفرد السعودي لم يتحسّن منذ منتصف الثمانينيات. وإذ تجلّى لنا أنّ هذا المعدّل بلغ 10,053 دولاراً في عام 2011 حسب التقديرات الأولية، وهو قريب جدا لنفس المستوى الذي سُجِّل في عام 1991، والذي يقلّ كثيراً عن ذروة عام 1980، وقدرها 14،773 دولاراً.ويرجع السبب الحقيقى لعدم تحسّن الدخل الحقيقي للسعوديين إلى ارتفاع معدّل النمو السكاني وعدم توسيع الاقتصاد، خصوصاً القطاع الخاص غير النفطي (بالرغم من تسجيل نمو مفاجئ 8.7 بالمائة في عام 2011)، بما يتناسب مع تزايد السكان. وبالمقارنة مع دولٍ مثل نيجيريا أو ماليزيا أو جنوب إفريقيا أو تركيا، نما سكان المملكة بوتيرة عالية جداً ، إذ تشير قاعدة بيانات قسم السكان التابع للأمم المتّحدة إلى أنّ عدد سكان المملكة ارتفع بنسبة بلغت 182,4 بالمائة بين عاميّ 1980 و2010. أما نيجيريا، التي تلي المملكة وفق بيانات الدول الثماني التي شملتها الدراسة الأخيرة لقسم السكان التابع للأمم المتحدة، فقد ازداد عدد سكانها بنسبة 112,4 بالمائة خلال نفس الفترة، بينما ازداد سكان تركيا بنسبة 64 بالمائة ، التي لا تزيد كثيراً عن المتوسط العالمي وقدره 56 بالمائة. ونتيجةً لهذا المعدّل المرتفع نسبياً لنمو سكان المملكة، سجّلت أيضاً معدّلات نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المملكة مستويات أدنى بكثير من تلك التي سجّلتها نظيراتها في العالم. وبالمقارنة مع كوريا الجنوبية ونيجيريا وسنغافورةوجنوب إفريقيا وتركيا، تحديداً، سجّلت المملكة أدنى مستوىً لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المحتَسب على أساس معادِل القوى الشرائية (للعملات)، والذي يأخذ بالحسبان معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الإسمي ومعدّلات تضخم الأسعار المحلية. وطبقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، نما معدل دخل الفرد المحتَسب على أساس معادِل القوى الشرائية في المملكة بين عاميّ 2000 و2010، بنسبة 44 بالمائة بالمقارنة مع 99 بالمائة في كوريا الجنوبية و90 بالمائة في سنغافورة و66 بالمائة في جنوب إفريقيا و77 بالمائة في تركيا و124 بالمائة في نيجيريا . تركي الحقيل محلِّل اقتصادي Twitter: @TurkiAlHugail وعلى المستوى الإقليمي أشارت بيانات صندوق النقد الدولي إلى أنّ المملكة سجّلت مستويات منخفضة، لنمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المُعادَل. فقد ازداد هذا النصيب بنسبة 39,7 بالمائة من مستويات عام 1980، بالمقارنة مع أكثر من 42 بالمائة بقليل في الكويت والإمارات العربية المتحدة ونحو 200 بالمائة في البحرين، وأكثر من 300 بالمائة في كلٍّ من مصر والمغرب وعمان وتونس. وتُبرز بيانات الدخل الحقيقي المنخفض نسبياً في المملكة مدى أهمية موازنة الأجور في البلاد خلال السنوات القادمة؛ وقد ناقشت هذا التحدي في مقلات و تقارير سابقة حيث شدّدت على ضرورة انتقال سوق العمل السعودية من الاعتماد على اليدّ العاملة الرخيصة إلى توفير فرص عمل بأجور مرتفعة للمواطن مع التدريب والتحفيز، لضمان موازنة الأجور وتعزيز أفضلية القطاع الخاص لدى العمالة السعودية وخفض معدّلات البطالة. ومن شأن هذا التحوّل أنْ يرفع المداخيل الحقيقية للمواطنين وأنْ يخفف الأعباء التي تتحمّلها خزينة الدولة السعودية. وفي العام الماضي، قامت الحكومة السعودية بخطوة مهمة في هذا الاتجاه عندما رفعت الحد الأدنى للرواتب الشهرية لموظفي قطاع الخدمات العامّة الحكومية من 2،185 ريالاً سعودياً إلى ثلاثة آلاف ريال سعودي. لكنْ ينبغي إلزام شركات القطاع الخاص بالقيام بنفس الخطوة من أجل تقديم الحوافز المناسبة عبر تحسين الأجور الحقيقية في هذا القطاع، الذي يُشغّل أكثر من 80 بالمائة من إجمالي القوة العاملة في المملكة. ويُمثِّل الوافدون غالبية العاملين في القطاع الخاصّ (92 بالمائة). و يشكلون حوالي الضعف 11 مرة عن السعوديين العاطلين عن العمل. ولن يتغيّر هذا الوضع إلا عندما تصبح الأجور والمحفزات مع ساعات العمل أكثر إغراءً للمواطنين.