مساء يوم الأربعاء (10 يناير 2018م)، وبعد مقابلة قصيرة، بدأت الساعة (12:30) ظهرا، أرسلت رسالة عبر (الواتس اب) لمعالي مدير جامعة الملك فيصل، هذا نصها: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ماذا فعل معاليكم بشخصي هذا اليوم؟ لقد كنت ميتا فأحييت بداخلي نفسا كنت أعتقد أنها انتهت. تقاعدت من الجامعة وقد فقدت روح الانتماء لها بفعل فاعل. اليوم جددت ثقتي، وأحييت انتمائي لهذه الجامعة. وحتى كتابي الأول وضعت اسم الجامعة على غلافه افتخارا بجامعتي، ولكن ندمت على هذا لأسباب كثيرة. اليوم تأكد لي خطأ ما كنت أعتقد. جعلني معاليكم أعيد حساباتي. وجدت معاليكم يحمل رؤية لجامعتنا، وهذا انجاز للجامعة يبشر بأنكم ستغيرون مسيرة الجامعة وستعززون مستقبلها بعون الله». ■ ■ صاعدا من الدمام عبر الطريق إلى الأحساء التي عشقت، استعرضت مسيرة سنين قضيتها بالجامعة. دخلتها شابا شغوفا مفعما بالحماس، وخرجت منها متقاعدا بجروح تركت نقشا يثير التساؤلات. قارنت بين حماس دخولي الأول لحرم الجامعة وبين دخولي الأخير، فتوصلت إلى أن البعض لا ينجح إلا في تدمير الانتماء وطمسه. وصلت في الوقت المحدد، ثم بكل لطف واحترام، قام الموظف بمكتب معاليه، وفتح الباب ونادى بدخولي. كانت هذه زيارتي الأولى لمكتب معالي مدير الجامعة في مبنى الإدارة الجديد. تفاءلت خيرا بهذا. ■ ■ سلمت على معاليه ثم جلست. استأذن لينقل ورقة لغرفة الاجتماعات الملاصقة لمكتبه. في هذه الأثناء، وقفت ثم توجهت إلى الواجهة الزجاجية للمكتب الواسع. واجهة تطل على جانب من الحرم الجامعي الحديث. في ثوان استعرضت كل نشاطي الميداني بالجامعة، وكنت أيضا مشرفا على حدائق الحرم الجامعي. كانت أرضا فراغا يحيط بها شبك حديدي. انتعشت نفسي بنشوة الإنجاز وبهجة منظر البناء. أثناء هذه الوقفة وجدت معاليه بجانبي واقفا ينظر معي، دار حديث قصير لا أتذكره، ثم رجعنا إلى طاولة المكتب. استمتعت بدفء الاستقبال والتوديع، وبكرم تعامل أعاد لي كرامة الانتماء وبريقه. ■ ■ نظرت لوجه المسؤول ودققت النظر، فهذه أول مرة أشاهده عن قرب، بدأت بتفحص الشخصية في قراءة لا يسمع صوتها غيري. بدأ الحديث، بهرني الأسلوب وبناء الكلمات، وسردها لقصة رؤية تحمل الطموح والأمل. كان يتحدث وكنت أستعرض مع نفسي سيرته الشخصية، كنت أتخيل خبراته خلال أكثر من عشر سنوات وكيلا لوزارة التعليم العالي، وقبلها كأستاذ ومسؤول في جامعة البترول. في تلك اللحظة أيقنت أنني أمام خبير بالتعليم العالي في بلدي. هنا استشعرت شأن وخطورة موقفي. كان يتحدث وكنت أستمع. لم يتحدث عن نفسه. لم يتحدث عن مناصبه. لم يتحدث عن إنجازاته وخبراته. لم يستعرض أمامي أي بطولة عن نفسه. لكنه فعلها بما فهمته من مؤشرات حديث صبه وبدقة وتركيز لصالح مستقبل الجامعة. ■ ■ أيقنت بهذا اللقاء وقد أصبحت خارج الجامعة متقاعدا، أنني أمام مسؤول تمنيت العمل معه في شبابي، وسني عطائي بالجامعة. عندما يحمل المسؤول رؤية لمؤسسته فهذا يعني أن إدارته لهذه المؤسسة ستكون ناجحة وناضجة وملهمة، ليس هذا فقط لكنه سيكون مدرسة عطاؤها لا يتوقف عند شخص بعينه. الإداري الناجح من يختصر مسافات الزمن للآخرين، وأيضا من يهيئ الأجواء المناسبة لتناغم الجهود للعطاء والبناء والانجاز. بهذا اللقاء أيقنت أنه مسؤول سيكتب تاريخا جديدا في مسيرة الجامعة، بهوية واضحة، تحقق تطلعات قيادتنا الرشيدة لصالح الأجيال القادمة. ■ ■ أخيرا.. استلمت ردا من معاليه على رسالتي السابقة، رسالة معها رجعت كما كنت، شابا ينشد بصوت عال لحياة العطاء والبذل والتحدي والانجاز. هكذا ستكون أيضا جامعة الملك فيصل مع الدكتور العوهلي، بعون الله وقدرته.