رفع الدعم عن السلع أو احتساب رسوم ضريبية عليها، هي قرارات تغيير سياسات في الدولة وفي المجتمع وفي الأسرة أيضا، بعد سنوات ومراحل وبعد أجيال من التعود المعيشي، ولا بد أن ينتج عنها ردات فعل من قبل الناس المتلقية لها، وهذه الردات قد تكون مبالغا فيها، والمبالغة قد لا تأتي من الرفض لها، فقد تأتي من الخوف من المرحلة القادمة، أو الاستعداد لها والتكيف معها عبر تغيير الممارسات والأساليب المالية نفسها، ولا بد أن يترتب عليها إمساك البذخ أو الإسراف أو الاستهانة بصرف الأموال السائلة ودخرها للأهمية، وستؤدي هذه الممارسات الحديثة وفقا للظرف الجديد إلى المساهمة -بكل تأكيد- في إعادة سياسة التدفقات المالية والسيولة في السوق المحلية، وهذا من شأنه أن يتسبب في شح السيولة في السوق بكل تأكيد، وبالتالي قد يتحول إلى ركود اقتصادي في أسواقنا المحدودة ويؤخر كثيرا خطط تعزيز الاقتصاد وتنميته، تلك الخطط التي تعمل عليها حكوماتنا الخليجية، لذا فإن المعونات الاجتماعية لها بالغ الأثر في أن تستمر السيولة في التدفق بالسوق المحلية. ويعتبر أهم أنشطة أسواقنا تدفق السيولة فيها، فليس لدينا أي نوع آخر من الأنشطة غير التجارة، فلا بلداننا مصنعة ولا بها أراض زراعية وإنتاج محلي، هي تعتمد في كل دخولها على البيع والشراء وإن اختلفت البضاعة، ابتداء من النفط ومشتقاته وانتهاء بالخضراوات. فأسواقنا أسواق استهلاكية، والنشاط فيها يعتمد على ما يعرض، والأداة هي الوفورات والسيولة المالية وهذه ما تحركها، وفي حال شح الطلب وتدفقاته سيطال السوق ركود سيؤدي بنا إلى أن يشل الاقتصاد بكل قوته وفي كافة قطاعاته ابتداء بالأسواق الأكثر نشاطا وقوة وهي أسواق المال وانتهاء ب «دكاكين» صغار التجار، وسيرجع بنا ذلك الأمر عشرين سنة إلى الوراء. الحقيقة التي يجب الانتباه لها، أن القوة الشرائية تأتي من المواطن نفسه فهو عجلة التنمية وهذه عين الحقيقة، فهو الذي يدفع إلى المحافظة على توازن السوق، عبر شرائه من الأسواق، وايداع أمواله في المصارف، مساهمته في الشركات والبورصات، إقباله على السلع الخدمية، وحتى تجوله في ربوع وطنه فهو يكلفه أن يصرف المزيد من الأموال التي ستصب في السوق، إنه المحرك الرئيسي لدائرة الاقتصاد في البلد. في حين يذهب ربع الدخل القومي وبكل سخائه في تحويلات العاملين الأجانب، فهؤلاء الذين يحرصون على ألا يصرفوا نقودهم إلا في أساسيات ملحة ولدى محلات أصحابها عادة من جنسيتهم، ولا يرتادون إلا المرافق العامة والمجانية ويوفرون أكثر من نصف مداخيلهم لتحويلها لبلدانهم الأم ولا يمكننا لومهم. في حين نعاني وخلال السنوات الأخيرة من ارتفاع نسبة العاطلين وانخفاض مستوى دخول المواطنين، واليوم يرهقون بارتفاع الأسعار في السلع، الأمر الذي من شأنه أن يجعلهم يعمدون لخطة الوافدين في الاقتصاد والادخار والحرص المالي، ما يسبب شح السيولة في كل الأسواق النشطة وبالذات الأسواق المالية، وهذا كله سيدفع إلى تقهقر الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما ستكون لدينا مشكلة ائتمان مالي في مثل هذا الوضع، الأمر الذي سيؤدي إلى تعثرات بنكية وائتمانية وتضخم وانخفاضات في أنشطة الأسواق وتراجع في محركات الأسواق المالية وتراجع سيطال الاقتصاد. أجل ستتأثر كل الأسواق وسيؤدي ذلك لتغير أذواق الناس بحسب الحاجة وتوافر السيولة لديهم، مما سيتسبب في خسائر ستطال حتى الأسواق التي لا نعتقد أنها ستتأثر كثيرا، تلك الحالة ستؤدي الى ركود السوق المحدودة وهذا الركود الذي سيتسبب في اندحار الاستثمارات سيترتب عليه موجة اقصاء وفصل موظفين ، وسيزيد انحسار السيولة أكثر بسبب هذا الوضع فالقوة الشرائية ستضعف جدا، وبالطبع سيؤدي كل ذلك الى تراجع مؤشر النمو بكل تأكيد. إنها ستأتي تباعا فالبعد الاجتماعي في مجتمعنا بالغ الأهمية. كل ذلك سيؤثر على دورة الاقتصاد العادية، وسيستهلك طاقة السوق وسيصيب الناس بتخوف أكبر، وسيؤدي هذا الخوف إلى تراجع أكبر في حركة وأنشطة السوق، نحن من حيث لا ندري سنؤثر في السوق بطريقة سلبية، فبعض الخطط التي تضعها المؤسسات العالمية لا تصلح لمجتمعاتنا. وعليه، فإن حلولا أخرى كإبقاء السيولة عبر المعونات الاجتماعية، والتخلي عن نسبة من العمالة الأجنبية، والمساهمة في تشجيع المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ودعمها والتحكم في أسعار السلع، والتخلي عن سياسة فتح الأسواق في هذا الوقت من شأنه أن يبعدنا عن شبح شح السيولة والركود.