أيا يكون القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس في موضوع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، فإن ما أشغل كثيرا من الأصوات هو المزايدة على موقف السعودية من القضية الفلسطينية بشكل عام ومن هذا الإجراء الخطير بشكل خاص. لم تكن القدس وما تعنيه بالنسبة للعرب والمسلمين والمسيحيين، ولا إقدام ترامب على هذه الخطوة، هو ما تداولته الأصوات الموالية للنظامين الإيراني والقطري في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، لأن القدس تتضاءل في نظرهم ما دامت هناك فرصة للنيل من المملكة والتشكيك في مواقفها. هم حتى لم يلتفتوا إلى تأكيد الرئاسة الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي على أن الموقف السعودي واضح وداعم للموقف الفلسطيني في رفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة. مثل هذا التصريح الفلسطيني لا يخدم أغراض أجندتهم أو أغراض سهامهم التي لم تعد موجهة سوى إلى البلد العربي الكبير الذي يواجه الغطرسة والصلف الإيراني. هم الآن أعداء المملكة وليسوا أعداء إسرائيل التي تخطط وتتآمر لتستولي على القدس وتدفع بالفلسطينيين خارج أراضيهم المشروعة والمعترف بها أمميا بموجب قرارات متعددة لمنظمة الأممالمتحدة. الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، كان واضحا وصارما جدا حين تلقى مكالمة الرئيس الأمريكي في هذا الشأن وأخبره أن أي إعلان أمريكي بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر بالمنطقة ويستفز مشاعر كل المسلمين في فلسطين وخارج فلسطين. هذه هي الحقيقة التي لا تماري فيها السعودية ولا تحتاج إلى من يؤيدها أو يعارضها فيها. المنطقة مستفزة أصلا بالحروب والإرهاب منذ العام 2011 ولا ينقصها قرار أمريكي متعجل ناتج عن ما وصف بأنه ضغوط هائلة على الرئيس من الكونجرس واللوبيات اليهودية. الحكمة هي قاعدة السياسة السعودية مع الأمريكيين ومع غيرهم تجاه أي قضية من قضايا العرب والمسلمين. وأيا كانت المزايدات والادعاءات فإن الشمس لا يغطيها الغربال كما هي تماما حال شمس من يتآمرون مع الإسرائيليين وغيرهم لتحطيم ما تبقى من أمل فلسطيني بل ما تبقى من أمل عربي.