في إحدى الزيارات الاجتماعية تواجد الأطفال مع أمهاتهم في جو عائلي جميل شد فيه انتباهي طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره يحمل الايباد ويرتدي نظارة طبية لم يكن يلعب مع باقي اقرانه ولم يشد انتباهه صوت القطة فأحببت أن اقتحمه لكنه لم يستجب إلى محاولاتي الفاشلة فبادرت بسؤال والدته عن طفلها إذا كان يعاني من أمر ما؟ فضحكت وأخبرتني بانه طفل سليم لكنه التصق بالايباد الخاص به ولا يفضل أن يقوم بأي نشاط اخر، هي تشعر بالراحة لان هذا الطفل لا يزعجها، مرت الأيام والسنون وأصبح الطفل بعمر الخامسة ولم يكتسب لغته الأم العربية، بل أصبح يتحدث اللغة الإنجليزية كما هي بالرسوم المتحركة وبنفس النبرات والوتيرة، الأم الآن تعاني، لان طفلها لا يتواصل معها ولم يتعلم أمور دينه ولم يتمتع بحقه في اللعب والحب والحنان. هي لم تعش دور الأم في الحديث مع طفلها والأب غائب عن المشهد، لأنه يفضل أن يقضي يومه بعد العمل مع أصدقائه ليتسامروا ويأتي للمنزل من أجل النوم وتناول الطعام، لم يدرك انه بنى حاجزا بينه وبين من سيكون سنده بعد الله إذا كبر. فيأتي هذا الأب في احد المحافل أو الاجتماعات ومواقع التواصل الاجتماعي يتحدث وينادي بحقوق الطفل ويسأل ويستغرب التقصير والتقاعس في عمل هذه الجهات المعنية بالطفل والأسرة، وتأتي الأم لتتحدث عن سوء الحضانة وانهم لم يستوعبوا أو يحتووا طفلها أو طفل الايباد. هذه القصة وغيرها الكثير التي نعايشها يوميا من كان السبب بها؟ من الذي تزوج لأن أسرته تود ذلك ولم تبن فيه معنى المسؤولية؟ من التي تزوجت لأنها تريد أن تخرج من سيطرة أهلها وتبدأ بعيش حياتها ولم تع أن تكون أما مسؤولة؟ من الذي مارس رجولته بالعنف والصراخ ليثبت أنه رجل؟ من التي رضخت للإهانة وانتهاك حقوقها في الحياة الكريمة؟ من جلب هذا الطفل إلى العالم بعد رب العباد ليتفاخر برجولته المزعومة وتتباهى هي بأمومتها الوهمية؟ لم تكن الجهات المعنية هي من رسمت وخططت لهذا كله، بل أنتم يا من تظلمون بنات المجتمع بتزويجهن لابناء مدللين رغبة ورجاء في أن ينصلح حالهم وهذا لن يحدث بالزواج، فالزواج ليس عصا سحرية تزيل الأخطاء، وأنتم كذلك يا من تنظرون لابنتكم وكأنها عبء وحمل ثقيل لا يمكن الخلاص منه إلا بالزواج من أي طارق يطرق الباب، أنتم من تسبب بهذه الكارثة وليس شخصا اخر أو جهة أخرى. قبل أن نحاسب الجهات المعنية عن التقصير في حقوق الطفل والمرأة والأسرة فلنحاسب أنفسنا ونقومها. فالزواج عبارة عن رباط مقدس بين الرجل والمرأة ليتشاركا جميع جوانب الحياة العاطفية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها مدى الحياة بالرحمة والحب والألفة فهي البنية الأولى لصناعة جيل واعد مثقف محب، متسامح، متقبل الآخرين ومتلهف لتنمية وطنه.