خلال الأشهر الماضية، انكبت إدارة الرئيس دونالد ترامب على «مراجعة السياسة الأمريكية من إيران»، ووصلت إلى قناعة ثابتة تقول: «إن إيران وراء كل الاضطرابات في الشرق الأوسط ويجب أن يكون التعامل مع التصرفات الإيرانية في قلب الإستراتيجية الأمريكية وباقي الملفات تتبع هذا الملف». وبالأمس القريب، حذرت الولاياتالمتحدة، نظام إيران بشأن سلوكها والحرس الثوري في العراق، ما عدته الأولى يمثل تهديدا لمصالحها هناك. وأعلن مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه)، مايك بومبيو، السبت، أنه بعث رسالة لقائد ميليشيا القدس في الحرس الثوري، المدعو، قاسم سليماني، وعدد من القادة الإيرانيين، للتعبير عن قلقه بشأن سلوك نظامهم الذي ينطوي على تهديد بشكل متزايد في العراق. وقال بومبيو، خلال ندوة في منتدى ريغان السنوي للدفاع في جنوب كاليفورنيا: «إنه بعث الرسالة، بعد أن أشار قائد عسكري إيراني كبير إلى أن قواته قد تهاجم القوات الأمريكية في العراق، دون ذكر تاريخ». وأضاف بومبيو: «ما كنا نتحدث عنه في هذه الرسالة هو أننا سنحمل سليماني -المصنف بقائمة الإرهاب الأمريكية- ونحمل إيران مسؤولية أي هجمات على مصالحنا في العراق من قبل الميليشيا الخاضعة لسيطرتهم»، وأضاف: «نريد أن نتأكد من أنه والقيادة في إيران يتفهمان ذلك بطريقة واضحة وضوح الشمس». وذكر بومبيو الذي تولى قيادة المخابرات المركزية في يناير أن قاسم سليماني، الذي يتولى قيادة العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، رفض قراءة الرسالة. ومن المعروف أن القوات الأمريكية تعمل بشكل حثيث مع القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية لضمان السيطرة على مفاصل الطريق السريع بين بغداد ودمشق؛ للحد من تسرب أسلحة إيرانية في المستقبل عبر هذا الطريق. وتنظر واشنطن الآن إلى علاقتها بغداد من زاوية الحفاظ على الأمن ومنع عودة الإرهاب وأيضا صد النفوذ الإيراني، كما تدرك إدارة الرئيس ترامب عمق النفوذ الذي تحظى به طهران من خلال الحرس الثوري وعلاقتها بالميليشيا وبعض الأحزاب العراقية، لكن في ذات الوقت ترى هذه الإدارة أن عليها بناء علاقات طويلة الأمد وعميقة الأثر مع الجيش العراقي؛ بهدف المحافظة على دولة مستقلة وقادرة على التخلص من النفوذ الإيراني. وفسرت إدارة ترامب هذا النفوذ بالخطير، فمن جهة تبقى إيران بعيدة عن المواجهة المباشرة مع الدول العربية لكنها تسببت منذ عقود باستنزاف هذه الدول بالوكالة، ومن خلال الميليشيا التابعة لها بدءا من حزب الله في لبنان، مرورا بالميليشيا العراقية وصولا إلى الحوثي في اليمن. وفي خطابه حول إيران وضع الرئيس ترامب مواجهة التصرفات الايرانية كبند أول في إستراتيجيته، وسبقها بالطبع بند الاتفاق النووي، علاوة على خطر الصواريخ الباليستية، فدوائر البيت الأبيض ترى الآن أن «رأس الأفعى» هو الحرس الثوري الإيراني، والباقي من الميليشيا الطائفية في العالم العربي مجرد ملحقات وأذرع منفذة، لا راعية. والتوجه الحالي للولايات المتحدة هو ضرب الحرس الثوري، والرغبة في مزيد من العقوبات التي ستحدد حركته داخل إيران فقط، دون تمدد بيئته السياسية والاقتصادية في المنطقة، بجانب وقف الأموال التي يرسلها إلى أذرعه في العالم العربي. وأخيرا، نجد أن الوزارات الأمريكية بدأت تستغل أدوارها في مواجهة إيران، فوزارة الخزانة تمتلك صلاحيات واسعة لفرض عقوبات على النظام الصفوي، وبشكل خاص جناحه العسكري المعروف ب«الحرس الثوري»، فيما ترى الخارجية الأمريكية أن مهمتها المواجهة في الساحة الدولية، وهو ما قاله كريستيان جيمس من وزارة الخارجية: إن الوزارات المختلفة تشعر أن لديها السلطة للعمل.