لا يزال أدب الطفل مجالا مهملا إلى حد بعيد من قبل الأوساط الثقافية من جهة، ومن قبل المؤسسات الثقافية من جهة أخرى، ومن قبل المستفيدين من الثمار الإيجابية التي تنعكس على أطفالهم، جهة ثالثة.. فعلى من تقع المسؤولية. في هذا الإهمال بالرغم من تزايد أهمية أدب الطفل في ظل انفتاح أطفالنا على ميديا معولمة لا نملك فيها من التأثير سوى النزر اليسير جدا؟ وما هي الطرق الأنسب لمستقبل أفضل لأدب الطفل الذي يعني مستقبلا أفضل للأبناء وللوطن؟ في الاستطلاع التالي نفتح باب الحوار مع مختصين ومهتمين حول هذا المجال.. صناعة بالخيال يقول الروائي والكاتب عدنان فرزات: تبدأ مشكلة أدب الطفل من الكاتب العربي نفسه أولا. فنحن ليس لدينا النصوص ولا المسرحيات التي تحاكي عقلية الطفل بشكل عصري. فمثلا مسرحيات الأطفال غالبا ما تكون مجهزة للمناسبات مثل الأعياد، وجميعها تدور في محورين: الخير والشر.. أو في أحسن حالاتها هي تكرار لقصة ليلى والذئب الذي أنجح قصص هاري بورتر هو لعبها على وتيرة اتساع خيال الطفل وابتكار عوالم غير واقعية هي ما تدور في مخيلة الطفل، ولكنه لا يستطيع التعبير عنها فجاءت مؤلفة القصص جوان رولينغ فأخرجت مخيلة الطفل إلى العلن. أدب الطفل لدينا لا يزال ساذجا ومحصورا في مواضيع الوعظ المباشر الذي لا يحبذه الطفل ولا توسع مداركه ولا تحاكي عصره الحديث. كتاب الطفل لدينا يريدون جر الطفل إلى عالم الكبار وليس العكس.. هذه هي المسؤولية الأولى.. أما المسؤولية التربوية في المدارس فذلك خطأ أكبر لأنها تدجن عقول الأطفال وتجعل منهم قالبا واحدا. خطة إستراتيجية وترى المتخصصة في أدب الطفل وسكرتيرة تحرير مجموعة صوت الخليج الإعلامية رباب عبيد أن المسؤولية تقع على الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، فالأسرة قليلا ما تهتم بالنزول إلى مستوى تفهم صنع الإبداع الأدبي داخل الطفل إذا ما اكتشفت بذور هذا الأدب ونبوغ الفكر فيه من الصغر، المدرسة تتعامل بكليات المناهج التعليمية، الأديب الطفل يجب أن يعامل معاملة المخترع والمبتكر والرسام واللاعب الرياضي والمغني. وهذا أيضا مفقود في مناهجنا التعليمية والتربوية، المجتمع ومع الطفرة العلمية أهمل جانب الأدب الخاص بالطفل واهتم بالألعاب الإلكترونية والقصص الماورائيات وادخل الطفل في دوامة التناقض بين اللفظ والأداء لذلك الأطفال لا يحبون القراءة، فأي موهبة أدبية ستظهر في خضم العالم الإلكتروني. الأنسب لإحياء أدب الطفل معرفة ما يريده الطفل من الأدب وذلك عن طريق الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية تأهيل كوادر أدبية متخصصة في أدب الطفل وتوفير الدعم المالي والمعنوي، فتح أندية أدبية وصالونات ومقاه أدبية للأطفال، والحقيقة نحتاج الى خطة استراتيجية أدبية متكاملة بالاستعانة بالخبرات. مجلس للطفولة من جانبه يقول الشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى: أدب الأطفال حديث الحضور عربيا ليس كمثيله في الغرب. ولذلك مازال متراجعا كما ونوعا واهتماما. ثمة ثلاث جهات هي المسؤولة عن تنميته، وزارة الثقافة ووزارة التربية وأقسام اللغة العربية والتربية في الجامعات. كل جهة تجتهد وليس من تنسيق بينها. لا يوجد حتى الآن متخصصون أكاديميون في أدب الأطفال. لا يوجد في العالم العربي أكثر من 10 من حملة الدكتوارة في هذا المجال. لم يزل الاهتمام به قائما على الارتجال وحسن النوايا والخبرات القليلة. دور النشر تستغل أدب الأطفال تجاريا وتنشر الكتب اعتباطا على الأغلب. لا بد من إنشاء مجلس أعلى للطفولة في كل بلد عربي ينسق بين الجهات المسؤولة. للأسف حتى الآن مازال تدريس أدب الأطفال متنازعا عليه بين التربية واقسام اللغة العربية في الجامعات. لا يوجد تقييم متخصص مواكب ومسؤول وفاعل.. أطفالنا اليوم الأجهزة الالكترونية تربيهم. الطفل العربي يعاني انفصاما بين ما يتلقاه من الجوال وما يطلب منه والداه ورفقاؤه. المدرسة قاصرة عن المتابعة والأهل مشتتون أيضا مع الالكترونيات. والوزارات المعنية تجتهد ببطء شديد ومع كل ذلك ينبغي ان نتفاءل ونسأل ونبحث لنعيد للطفل صلته باللغة العربية والقراءة والكتابة. بناة المستقبل من جانبها تقول الروائية والكاتبة السودانية آن الصافي: مجملا، المشهد الثقافي يحتوي على أركان وأسس كحلقة تجمع المهتمين بالشأن والعاملين عليه: الكاتب، الناشر، الناقد، المختص بعلم النفس والتربية لفئة الصغار والناشئة، الإعلامي، الصحفي، المؤسسات الرسمية المخولة بالدعم والتوجيه ووضع الاستراتيجيات المتعلقة بالتعليم والثقافة والأدب. نجد في الغرب، الذي يقرأ صغارنا ما يصدرونه لهم من أدب، أن النص الذي يضعه الكاتب يمر بتدقيق ودراسة وتحليل للغة والفكرة والموضوع والعقدة والحل وأسلوب العرض للوقوف علي ما قد ينتج عنه بعد تلقيه من قبل القراء من هذه الفئة. ثم توضع الملاحظات الموائمة بكل حيادية وموضوعية وإعلان الموافقة عليه أو عدمه من قبل المختصين والأسباب، ولا يدخل المطبعة وينشر ويوزع ما لم تتم هذه الخطوات في البدء. بعد ذلك يجوز للصحافة والإعلام وبكل شفافية وموضوعية عرض آراء القراء من هذه الفئة ومن أولياء الأمور والمعلمين، كل ذلك بغرض الحرص على سلوك وتفكير هذه الفئة ودراسة توجهها، فهم بناة المستقبل. من هنا يأتي دور المثقفين والمبدعين والمؤسسات المختصة والجهات المخولة في توفير الدراسات ومصادر المعلومات التي تتيح رؤية الواقع والعمل معا لرؤيته على ما نأمل أن يكون عليه. الأسرة أولا وتقول الكاتبة والناشرة كفاح بوعلي: من تجربتي ككاتبة قصص أطفال وكمؤسسة ناشرة وموزعة أرى أن أدب الأطفال في مجتمعنا المحلي خصوصا والعربي عموما ما زال يحبو مقارنة بمثيله في الدول المتقدمة.. المسئولية الكبرى تقع على عاتق الأسرة أولا فهي الراعي الأول للطفل... فعندما يدرك الآباء أهمية استخدام هذا الفن في تربية أطفالهم تتكون لأدب الأطفال مساحته التي يستحقها في ذلك الوسط الاجتماعي.. أدب الأطفال في أبسط صوره كفيل أن يكون أداة تعلم ووسيلة تربية فعالة تختصر الكثير من الوقت والجهد على المربين.. فمن خلاله يمكن مواجهة التحديات المتعددة. عندما تتشبع الأسرة بهذه القناعة يبرز دور المؤسسات الثقافية فيكون لعطائها أثر يمكن الاعتماد عليه في تشييد بناء مرتكز على قاعدة قوية من الوعي والمعرفة، وبالتالي ينتشر ذلك الحس الوجداني الرفيع وترتفع الذائقة السمعية واللفظية والبصرية لفئة بالغة الأهمية -الأطفال والناشئة- لوسائل الإعلام دور لا نستطيع إغفاله في كشف الغطاء عن أهمية دور أدب الأطفال وما يمكن أن يصنع للأجيال القادمة.. هناك جهود كثيرة مبعثرة لأفراد مثقفين ومؤسسات ثقافية.. لذا أرى من وجهة نظري كمسئولة في مؤسسة مهتمة أنه لا غنى عن تكاتف أضلاع ثلاثة المؤسسة الثقافية والأسرة والمؤسسة الإعلامية لصناعة مستقبل أفضل لأدب الأطفال.. استثمار إنساني وتقول القاصة والأكاديمية رباب النمر: كان الطفل كائنا مُهملا في المجتمعات، أو من الشرائح التي لا يُعتد بها عموما، ومع الثورات الصناعية والازدهار الاقتصادي التفت المستثمرون إلى أن الطفل يُشكل نقطة استثمار مُربحة، فبدأوا يهتمون بإنتاج سلع ولوازم وكماليات تلفت انتباهه وانتباه الأهل حتى غصت الأسواق الواقعية والإلكترونية بمنتجات تخص الأطفال، وتحمل رسومات أبطال المسلسلات الكرتونية. إن التقصير في إنتاج أدب للطفل يقع على عاتق الكاتب أولا وعلى عاتق المؤسسات الثقافية ثانيا وعلى عاتق المؤسسات التعليمية، وعلى عاتق الأهل أيضا لأن الجميع متقاعس عن دعم هذا المُنتج. كم أب فكر في شراء قصة للطفل، أو موسوعة مصورة بدلا من لعبة ترفيهية، وكم أب فكر في اصطحاب أطفاله إلى المكتبة أيام النزهات بدلا من مراكز التسوق وأماكن الترفيه؟ وكم من معلم يحرص على إدخال أدب الطفل ضمن وسائله التعليمية ويحرص على تفعيله في دروسه؟ كم نادٍ أدبي قدم أمسيات وفعاليات ومسابقات تخاطب الطفل وتهتم به؟. إذا حاولنا الإجابة عن هذه التساؤلات سيتضح لنا حجم الإهمال الذي يحظى به أدب الطفل، وعلى عاتق من تقع المسؤولية، وإذا بدأ الاهتمام بفكر الطفل واستثماره المعرفي والإبداعي ينهض من ناحية الوعي به أولا، وضرورة تفعيله ثانيا. سيعمل كل في موقعه على تفعيله، وعلى طلبه، وعلى إنعاش دورة حياته المُعطلة عندها سيزدهر سوق كتاب الطفل، وسيُتداول كتابه في المدارس والمكتبات والأسواق والمنازل ودور الحضانة والروضات، وستقوم الملتقيات والمؤتمرات المختصة بأدب الطفل، وستهتم النوادي الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون بتخصيص جزء من فعالياتها واهتمامها بشرائح الأطفال. د.راشد عيسى رباب عبيد عدنان فرزات آن الصافي