من غير العسير على من يتابع الساحة الأدبية والثقافية أن يلحظ من الوهلة الأولى أن «أدب الطفل» يعد الحلقة الأضعف، فليس ثمة إصدارات منتظمة موجهة للأطفال مراعية لفوارق العمر، ومتغيرات الحياة، وغير ذلك مما يجب أن يوضع في الحسبان عند الكتابة للطفل، وفي خضم هذا الواقع البائس جاءت دعوة وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالتها للشؤون الثقافية إلى الكتاب والرسامين وأصحاب دور النشر للترشح لجائزة وزارة الثقافة والإعلام لأفضل كتاب للطفل لعام 2011م، تاركة باب الترشيح مفتوحًا حتى يوم 15/ 9/ 2011م، راصدة مبلغ 60 ألف ريال قيمة لها، وهي الجائزة التي ستكون ضمن فعاليات الملتقى الدولي لثقافة الطفل، الذي سيقام في الرياض خلال الفترة من 12 إلى 16 ذي القعدة 1432ه.. هذه الدعوة بلا شك من شأنها أن تعيد أدب الطفل إلى الواجهة من واقع الاشتراطات التي وضعتها الوزارة للراغبين في ترشيح أعمالهم، وتنظر هذه الاشتراطات في أن يكون الكتاب باللغة العربية، وألا يكون قد مضى على نشره أكثر من ثلاث سنوات، وألا يكون حاصلًا على جائزة محلية أو عربية أو عالمية، وأن يكون عملًا أصيلًا غير مترجم أو مقتبس، باستثناء الموسوعات والمناهج التعليمية، ويحق لكل دار ترشيح ما لا يزيد عن 10 كتب، وتراعى حقوق الملكية الفكرية وأنظمة النشر في المملكة العربية السعودية.. ومن واقع هذه الدعوة والجائزة المرصودة لها تتعالى الأسئلة مستقبلة الترشيح المنتظر ومستفسرة: من هو المؤهل لأن يكتب أدبًا للطفل.. وما هي الخصائص والشروط الواجب توفرها في أدب الطفل.. وهل المسابقة المطروحة قادرة على النهوض بأدب الطفل إن كان هناك قصور فعلًا.. وكيف لنا أن نستفيد من هذه المسابقات في تجاوز الموسمية في الكتابة للطفل وتقديم أدب مستدام بملامح واضحة وتوجهات مضبوطة.. كل هذه الأسئلة وغيرها وضعها «الأربعاء» على الطاولة للنقاش، فكانت هذه الآراء.. تجاوز التنظير إلى التطبيق رؤية الروائي الدكتور سلطان القحطاني لواقع أدب الطفل بثها في استهلال قوله: لا أدري ما هو الجديد في طرح مثل هذا الموضوع؛ لأننا نعلم أن هناك اهتمامًا، وقد تم الحديث عنه بشكل مستفيض، ولكن ليس هناك أي تنفيذ؛ فالتنظير قائم منذ وقت طويل، ولكن ليست هناك آليات واضحة تبين ملامح ذلك الاهتمام، والكُتاّب يتحملون كغيرهم جزءًا من القصور المتمثل في ضعف الاهتمام بالكتابة للطفل، لأن ذلك يتجاوز مرحلة الكتابة إلى غيرها من الأمور المتعددة، فهي تحتاج إلى المتخصص في علم النفس والتربية، إضافة إلى الحاجة إلى الخبرة والاحتكاك في مجال الطفل، وما يدور في عالمه، فضلًا إلى الحاجة الملحة في الإفادة من خبرات غيرنا من البلدان المتقدمة والتي لها باع طويل في الكتابة لأدب الطفل، إضافة إلى أن أدب الطفل ليس كتابة فقط؛ فهو يعتمد أيضًا على البرنامجين التليفزيوني والإذاعي، وعلى الأسرة نفسها بحيث يكون لديها اهتمام في هذا الجانب؛ لأن اللون له جاذبية والكلمة ذات جاذبية أيضًا، وكذلك الصورة، كما ينبغي علينا احترام عقلية الطفل إذ وقع على عيني بعض الرسومات ذات الرأس المقطوع والتي حتمًا لن يستفيد منها الطفل فالطفل سيدرك أن هذه أكذوبة ولا تمثل الصورة الحقيقية المراد إيصالها أي بمعنى الاختلاف ما بين الواقعين الحياتي والتنظيري. ويتابع القحطاني حديثه مفندًا واقع أدب الطفل مضيفًا: أنا إن كنت متشائمًا من الكُتّاب الذين يكتبون للطفل، فأنا بنفس القدر متفائل بما قامت به مؤخرًا وزارة الثقافة والإعلام من طرح مسابقة تعنى بالطفل؛ فالجائزة تعد نوعًا من التشجيع، ومن فتح الباب أمام الآخرين الذين لديهم مواهب ربما ترتقي بهم إلى أدب طفل حقيقي، ليس أدب طفل تنظيري، وخطوة الوزارة هي خطوة إيجابية، ويجب تعاون جميع الأفراد والمؤسسات المجتمعية والأدبية، وكل ما يعنى بأدب الطفل معها حتى الذي لا يكتب يجب عليه أن يساند ولو على الأقل ببعض الأفكار، ولا ينبغي التوقف عند تلك الخطوة بل يجب أن تتبعها عدة خطوات أخرى، وأنا حقيقة أعرف أشخاصًا لديهم أفكار أكاد أجزم أنهم قادرون على تحويل هذه النصوص إلى كارتون، وقد اطلعت على بعض النماذج على جهاز الكمبيوتر، وشاهدت العديد من النماذج الجميلة والمعبرة، ولأن بعضهم لا يستطيع على النشر لأن ظروفه المادية لا تتيح له ذلك فضلًا عن إرهاصات قبول الناشر من عدمها ولكن مثل هذه المسابقة تتيح للمبدعين المساهمة في مشروع كهذا، ولا بد أن هذه الأعمال ستعرض على متخصصين في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وسيطبقونها على الواقع ليصبح لدينا هدف معروف، لأن كل المستورد يطبق بثقافة أخرى مختلفة عن ثقافتنا السائدة ونحن في نفس الوقت لا نريد ثقافة متقوقعة، إذ يفتح المجال للجميع لأن الأعمال الجيدة حتمًا سترى النور وستختفي تلك التي ليست بجيّدة. رؤى وأهداف واضحة وتكشف الدكتورة حنان عنقاوي ممثلة التعليم العالي في المندوبية الدائمة للمملكة في منظمة اليونسكو عن جهود المنظمة في هذا المجال بقولها: كانت الركيزة الأساسية في إنشاء منظمة اليونسكو هي التعليم والاهتمام إجمالًا بالطفل منذ نشأته إلى أن يكمل تعليمه العام قبل أن تتنوع اهتماماتها لتطال الجامعات والآثار وغيرها من الجوانب الثقافية ومراكز الحوار الفكري وغيرها، أما ما قامت به وزارة الثقافة الإعلام من الاهتمام بإنشاء جائزة لأدب الطفل فهو شيء نصفق له ونحييه ونتمناه بشدة، وسنظل نتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أكثر من ذلك؛ فدولة مثل فرنسا –على سبيل المثال– لديها خمس جوائز سنوية معتمدة في الأدب لذلك تطلعاتنا التي ننشدها من الوزارة أن تعينّ جائزة سنوية لأدب الطفل، وبرغم أن هذا الشيء جيد في حال استمرار يته إلاّ أننا نطمح إلى أكثر من ذلك، كما يجب توضيح ملامح الجائزة من خلال التدقيق في شروط الجائزة وآلية تنفيذها؛ فعلى سبيل المثال يجب التركيز على تحديد الأعمار المشاركة فيها، وما هو المقصود بأدب الطفل أي بمعنى أنه يجب وبشكل أكثر أن تكتمل الرؤيا في الكتابة للطفل، وأنا هنا لست متشائمة من ندرة المتخصصين في أدب الطفل لدينا في السعودية؛ لأنني على يقين بأن التطور هو تطور مرحلي، وباعتبار أننا دولة نامية بقوة ونسير باتجاه صحيح فنحن نأمل في الارتقاء للأفضل دائمًا، ونحن لسنا راضين بما هو موجود من اهتمامات بنواحي الأدب في هذه المرحلة؛ لأن تطلعاتنا لذلك أكثر لأننا مقبلون على نهضة ثقافية كبيرة فالأندية الأدبية الثقافية ستنفصل وستنتقل إلى مراكز ثقافية وإلى أندية أدبية بحيث تفصل الثقافة عن الأدب قياسًا على بعض الدول التي يوجد بها مديريات للثقافة قياسًا بمديريات التعليم لدينا كالأردن مثلًا. وتختم عنقاوي حديثها بقولها: في مجال تجربتي حينما كنت عضوة في النادي الأدبي كان لا بد لنا في أمور متعددة تتعلق بالجوانب الثقافية والأدبية من توضيح الآليات والإجراءات، لذلك لا بد من توضيح الرؤيا وبناء عليها تتحدد الأهداف والإجراءات التنفيذية، فلو أصبحت الرؤيا واضحة ومقننة لخرجت الجائزة من تقليدية الجوائز إلى جائزة ذات قيمة بنّاءة تستطيع أن تكوّن قاعدة يستمد منها الطفل عالمه وأخلاقياته. رمزية الجائزة ومن واقع تخصصه كاتبًا لقصص الأطفال يشارك يعقوب محمد إسحاق بقوله: بعض الدول العربية تقدم جوائز للمبدعين فيها وتنقسم إلى قسمين: «جوائز تقديرية لكبار المبدعين» وتدخل فيها عدة فروع ومسارات كالرواية والشعر وغيرها من الأجناس الأدبية والعلمية والمعرفية الأخرى و«جوائز تشجيعية للشباب الناشئ» وتحوي على فروع متعددة كالشعر والنثر والرواية إلى غيرها من العلوم والمعارف التي تحاكي النشء، وهذا ما جعلني استحضر الجائزة التي وئدت قبل 20 سنة أو أكثر وهي «جائزة الدولة التقديرية للأدب» وكان أحد فرسانها أحمد عبدالغفور عطار، وكانت تقدّم لأديب واحد في السنة؛ ولكنها توقفت ولم يكتب لها الاستمرار، والمملكة العربية السعودية دولة كبيرة وتستطيع أن تقدمّ شيئًا كبيرًا لدعم المفكرين والمثقفين والمبدعين في كل مجال لكي يقدموا أشياء جديدة لا ترفع من اسم المبدعين أنفسهم فحسب بل من اسم المملكة العربية السعودية أيضًا؛ غير أن هذا الشيء مفقود في بلدنا ونتمنى حصوله. وحول الجائزة المطروحة من قبل الوزارة يتابع إسحاق حديثه مضيفًا: أما الجائزة التي أعلنت عنها وزارة الثقافة والإعلام للاهتمام بأدب الطفل فمبدئيًا هي جائزة جيدة وستشجع الشباب الذين يحاولون اقتحام مجال أدب الطفل إذ في اعتقادي أنها تتواءم أكثر والكتّاب الناشئين، إذ قدرت الجائزة بمبلغ رمزي جدًّا 60 ألف ريال مقسمة إلى 3 أقسام: 20 ألف للكاتب و20 ألف للرسام و20 ألف للناشر، مع العلم أن الناشر لا يستحق الجائزة لأن معظم الناشرين يأكلون حقوق الكُتّاب، كما ينبغي أن تكون هناك جوائز تقديرية لكبار الكُتّاب وجوائز تشجيعية للصغار منهم، وينبغي أن تكون الجوائز مناسبة، وليست بهذه الرمزية الحالية، فالمكافأة المرصودة لمثل هذه الجائزة هي رمزية جدًّا. ويخلص إسحاق إلى القول: عمومًا تنبغي الإشارة إلى أن لدينا ندرة في الكتابة للطفل؛ نظرًا لعدم الاهتمام من قبل الجهات المختصة بأدب الأطفال، علمًا بأن هناك عوامل كثيرة قد بدأت منذ فترة طويلة في إخراج كتب الأطفال من الساحة، بدأت عندما ظهر الفيديو ثم ظهرت الفضائيات فالإنترنت؛ وكل هذه العوامل ساعدت على تقليص وجود كتاب الطفل وطرده من السوق؛ لأنه بوجود مثل هذه المؤثرات أصبح الاهتمام بكتاب الطفل معدومًا، والدور يأتي بالإضافة إلى دور وزارة الثقافة والإعلام وربما يلقى اللوم بالدرجة الأولى على وزارة التربية والتعليم، حيث يفترض أن تهتم بتزويد المكتبات المدرسية بالكتب الجديدة وخاصة الكتب للمبدعين والمؤلفين السعوديين، وقد لاحظت أن وزارة التربية والتعليم لم تعد تشتري من المؤلفين السعوديين بدليل أنني أرسلت لهم 18 عنوانًا منذ أكثر من سنة لم يردوا عليّ بحرف واحد وكأنني لم أفعل شيئًا. ثقافة هجين خلاصة الأعوام الثلاثين التي أمضتها الكاتبة المسرحية للطفل وعضوة جمعية الثقافة والفنون بجدة سميرة مداح في هذا المجال أودعتها في سياق قولها: أنا وبمشواري الطويل قدمت 30 سنة من عمري المهني معلمة لرياض الأطفال و10 سنوات إدارية، أريد مسرحًا للطفل في السعودية، وأشدد على ضرورة الاهتمام بالكتابة المسرحية للطفل، فضلًا عن جلوسه الساعات الطوال على الأجهزة الإلكترونية، وعلى التلفاز، ولدينا من النصوص المحلية التي من الممكن لها أن تستثمر وتخلق الكثير من القيم في أطفالنا، بما يمكننا من أن نستغني بها عن بعض الثقافات الهجين والتي تؤثر في أطفالنا سلبًا. حفظ حقوق المؤلف ويرى رئيس جمعية الناشرين السعوديين نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب أحمد الحمدان أن فكرة المبادرة لجائزة الطفل تعد فكرة رائدة، وخطوة تنحو قدمًا نحو الأمام، وخطوة جيدة من وزارة الثقافة والإعلام في الإحساس بالطفل بتشجيع وحث الناشرين على الاهتمام بكتاب الطفل.. مضيفًا: من المؤسف أن كثيرًا من الناشرين يستغلون المؤلف بحيث أنه ليس له مخرج إلا عبر الناشر، فالمؤلف حريص على إخراج نتاجه، وانطلاقه من ذلك الحرص يتجه إلى الناشر والذي قد يستغلّه، ولكن وفي الآونة الأخيرة وبعد بروز جمعية الناشرين السعوديين ودورها في توعية الناشرين وإقامة الندوات والمؤتمرات لتوضيح دور المؤلف وأنه دور أساسي في عملية النشر، وأنه لولا المؤلف لما استطاع الناشر أن ينشر أي كتاب، فيجب أن يعطى المؤلف حقه؛ ولكن يجب ألا يخرج الناشر خارج الجائزة، ولكن يعطى ولو شيئًا رمزيًا إشعارًا بدوره في هذا المجال، كما أن هذه الخطوة ستعطي دفعة معنوية للناشر مثل تلك التي وهبت للمؤلف، ونحن الآن تقدمنا إلى وزارة الثقافة والإعلام بعقد لحفظ حقوق المؤلف أثناء النشر عندما يوقع عند الناشر لا بد أن يكون هناك عقد يحفظ حقوق المؤلف كاملة. ويتابع الحمدان حديثه كاشفًا عن الدور الذي يقوم به اتحاد الناشرين السعوديين والعرب في مجال أدب الطفل قائلًا: أما ما قدمناه لأدب الطفل فنحن أوجدنا ملتقى ناشري كتب الأطفال في الشارقة منبثقًا عن اتحاد الناشرين العرب، وقدم مليون درهم سنوية مقسمة 3 أقسام على المؤلف والناشر والرسام، واعتبر هذا إنجاز كبير من اتحاد الناشرين للاهتمام بأدب الطفل، ولم يسبق في العالم أجمع أن يكون للطفل اهتمام جائزة تكون قيمتها بمثل هذا المبلغ الضخم، ونحن الآن كاتحاد ناشرين سعوديين في مرحلة المحاولة لأن نوجد في المملكة العربية السعودية مثل تلك الجائزة التي تنطلق من الإمارات العربية المتحدة، ولكن رجال الأعمال لا يزال اهتمامهم في هذا المجال ضعيفًا، فمحاولاتنا هي البحث عن الداعم عبر شركات الاتصالات كما فعلت الشارقة، لأن دعم الجائزة لديهم جاء عبر الاتصالات، ونتمنى أن ترى تلك المحاولات النور بحيث يكون المبلغ كبيرًا يشجع المؤلف والرسام والناشر ليتم إنتاج ثقافة نوعية تقدم للطفل، ونحن إلى الآن لم نطلع على المسابقة ولم نشارك إذ لم يطلب رأينا فيها، ونحن على أتم الاستعداد في المشاركة وإثراء هذا الجانب عن طريق الغرف التجارية أو عن طريق المنظمة العربية لحقوق الطفل بحكم علاقاتنا المترابطة معهم، وكذلك اتحاد الناشرين العرب.