يبدو أن إيقاع الحياة المدنية العصرية يدفع نحو القلق أكثر من الهدوء. ولعل من الأسباب الوتيرة المتلاحقة في التطور التقني والنهم الاستهلاكي، وكذلك محاولة متابعة الأخبار والأحداث أولا بأول عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. في أربعينيات القرن العشرين وبحسب ما ذكر ديل كارنيجي في أحد كتبه أنه من بين كل عشرة أشخاص هناك شخص واحد مصاب بالقلق أو الاكتئاب. أما حاليا وبحسب منظمة الصحة العالمية، فالتقديرات تشير إلى أن المعدل هو شخص واحد من كل خمسة أشخاص، بمعنى أن النسبة ارتفعت من 10% إلى 20% (بمعدل الضعف). من ناحية اقتصادية فإن هذه المعضلة مهمة بالنسبة للمستثمرين في القوى العاملة والذين يحبون المال أكثر من الإنسان! ولكن هناك خبرا جيدا لهم حيث إن الاستثمار لعلاج القلق والاكتئاب تفوق عوائده رأس المال المستثمر بأربعة أضعاف!! بحسب بيان منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي. ومن ناحية أخرى فالقلق عادة مرتبط بالمستقبل وهو حين يزداد يخلق جوا من الأفكار السلبية والتشاؤم تلقائيا كأنهما قرينان لا ينفكان. وهما منغصان وقاتلان بطيئان للسعادة النفسية والجسدية للإنسان. وكلنا بلا استثناء تمر علينا تلك اللحظات من القلق على درجات مختلفة، ولكن درجات التأثير وردة أقوالنا وأفعالنا متفاوتة كل حسب تكوينه النفسي وبيئته التي نشأ بها. البعض قلقه بين عينيه بشكل يومي وهو يتوقع الأسوأ منذ الصباح الباكر كأنه ابن الرومي حين طرق عليه أحدهم الباب فقال: من؟ فقال الطارق: مرة ابن حنظلة، فأصاب ابن الرومي القلق والتشاؤم من هذا الاسم، فمكث في بيته بقية يومه! وهناك القلق المستقبلي المتواصل، كأن يقلق الطالب على مستقبله الدراسي أو الجامعي، أو الموظف على مستقبله الوظيفي، أو المستقبل الأسري، والخشية والقلق على مستقبل الأبناء وغيرها من الأمثلة التي حين تتفاقم بشكل مفرط تصبح هاجسا مثبطا وعبئا ثقيلا بدلا من أن تكون دافعا إيجابيا. إن المشكلة المؤرقة هي أن القلق والتشاؤم بشكل متواصل هما همٌ على القلب وصرخة بدون صوت ولن يدعا مجالا للإنسان أن يستمتع بالحياة إلا لدقائق وربما لساعات محدودة. إذ تظل الهواجس والأفكار قاتلة لكل فرحة وبسمة. والحقيقة المرة أنه لن يختفي نهائيا لأنه جزء من التكوين الشخصي، ولكن الشيء الحسن أنه ممكن أن يكون تحت السيطرة. ولكن السؤال ما الحل؟! لا شك أنه في الحالات الحادة والشديدة لابد من مراجعة المتخصصين في علم النفس. ولكن من الحلول العامة البحث المعرفي كالقراءة عنه وأسبابه، وعلى سبيل المثال قال المؤلف والبروفيسور ليو بوسكا جليا:«90% من الأمور التي يساورنا قلق بشأنها لا تحدث، ومع ذلك لا نكف عن القلق». ومنها السلوك المكتسب يعني المسألة تحتاج إلى تدريب وصبر ومجاهدة خصوصا على مستوى العقل والتفكير. والحلول السريعة في الغالب هي مسكنات مؤقتة ولن تنفع على المدى البعيد إذ لابد أن يكون جدول حياتنا مليئا بالأهداف وبالأعمال، والانشغال بالمفيد والنافع. يقول المفكر والكاتب الايرلندي برنارد شو: «إن سر الاحساس بالتعاسة والاضطراب هو أن يتوافر لديك الوقت لتتساءل هل أن شقي أم سعيد!» وما أجمل ما قال الشافعي -رحمه الله-: سهرت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون، إن ربًا كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون.