أردت أن يكون العنوان «take it easy»، لكني تراجعت؛ كي لا أثير حفيظة حراس اللغة الأشاوس، فالمزاح معهم مكلف. وقد يعتبر ذلك خيانة للغة العربية. نعم. المزاح مكلف أحيانا، لكن يبدو أن الافراط في الجد أكثر تكلفة، وهذا هو موضوع المقال. قد يفرّخ الجد خيبات أمل كبيرة، حين يأخذ المرء كل ما يدور حوله مأخذ الجد، ثم يكتشف أنه كان ضحية مقلب بارد. لذلك تبدو الدعابة وصفة مناسبة لامتصاص بعض الصدمات وتخفيف وطأة الخيبات. لكن الدعابة لا تعني التخلي عن الجد، وإنما تعني إلباس الجد رداء الهزل. ويبدو أن النقد الاجتماعي والسياسي يصبح أكثر تأثيرا وإقناعا حين يرتدي زي النكتة. لذلك كتب أدريان سوندرز يقول: «للكوميديين تفويض اجتماعي كي يعبروا عما يدور في رؤوسنا ولا نجرؤ على التعبير عنه بصوت مسموع». وإذا كان الضحك، كما يرى هنري برغسون، نوعا من العقاب: «الصلابة هي المُضحك والضحك قصاصها»، فإن مهمة الكوميدي والكاتب الساخر هي تنفيذ ذلك القصاص. وكما أن الدعابة ليست نقيضا للجد، فإن التجهم لا يعني رجحان كفة الجد، وإنما يعني أحيانا الحرمان من صفة البشاشة، وخفة الظل. كثيرة هي الأشياء التي لا ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد. أبسطها كلام (المدام) حين تقول لك إنها ستكون جاهزة بعد ثلاث دقائق للخروج معك. ضع صفرا قبل الرقم ثلاثة. كذلك لا ينبغي أن تأخذ مأخذ الجد مجاملة من يؤكد لك أنك ما زلت شابا، بعد أن تجاوزت الستين. لأنك لو كنت كذلك، لما احتاج محدثك إلى تأكيد تلك المعلومة. يمكنك أن تضيف مسائل أخرى أكثر أهمية إلى تلك التي لا ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد ومنها: ابتسامة البائع، وتنزيلات المحال التجارية، والتصريحات الفضفاضة التي تحتمل أكثر من تأويل، وكلام «حكماء» تويتر وفيسبوك، والتحليلات السياسية التي يتحفنا بها ضيوف الفضائيات العربية، ووعود مرشحي الرئاسة، ودفاع بعض الساسة الغربيين عن العدالة والحرية وبقية القيم الإنسانية الأخرى، فهذه قيم تتلون وفقا لدوافع اقتصادية أكثر منها إنسانية. وبعد: أعود مرة أخرى لاقتباس عبارة أوسكار وايلد في مسألة الجد: «إن الإنسانية تنظر إلى نفسها بجدية أكثر مما ينبغي، فلو أن رجل الكهف قد تعلم كيف يضحك لتغير مجرى التاريخ». ويبدو أن التغيير الذي عناه وايلد يتجه نحو الأفضل. فالدعابة نقيض للتوحش والعدوانية والغطرسة والشعور الزائف بالعظمة. لكن رجل الكهف كان جادا أكثر مما ينبغي، وقد ورث تلك الجدية الخلف عن السلف.