«يا مال الجنة يا أبو عادل» هذه العبارة التي ترددت كثيرا على ألسنة من حضر او سمع بوفاته. مرت الأيام ومضت السنون بذكرياتها وحلوها وجمالها على حياتنا مع العم أبو عادل، ونحن نستلهم منه ونتعلم في أقواله وأفعاله وتصرفاته.. كسب المعرفة فمنحنا إياها بالمجان.. أوتي الحكمة فجرعها بكأس الأيام.. أوتي العزيمة فغرسها في نفوسنا.. كان مغامرا محبا للسفر واكتشاف الجديد وتعلم وتعليم كل ما هو جديد.. كان مؤسسة تربوية متنقلة لا يبخل بالمعلومة والتوجيه.. لا يسكت عن خطأ أمامه، ولا يرضى بالخطأ وكان يعالج ويوجه ويحول الموقف إلى مشهد تربوي.. أحببناه وكنا نقبل منه كل نقد وكل توجيه، فتعلقنا به فطار بنا إلى عالمه الخاص فتأثرنا به واستفدنا من قربنا منه. هذا هو العم الغالي عيد بن خلف الصقري الشمري الذي يحلم ويعلم ويصبر. هذا هو العم «الصديق» الذي مد جسور الحب بيننا وبينه.. هذا هو العم «الأستاذ» الذي تتلمذنا على يديه صغارا. هذا هو العم ذو «الحكمة» والروية والاتزان في الشخصية والرأي والثبات في المواقف.. هذا هو المكافح الطموح الذي أسس فينا معاني الأمل والرغبة الجامحة في النجاح.. إن الحديث عنه كأنك تتحدث عن مجموعة رجال في رجل.. لم يكن -رحمة الله عليه- رجلا اعتياديا، بل كان استثنائيا بشخصيته الفذة الجادة التي توصف بالمرنة والمرحة.. واستثنائيا بابتسامته العريضة وقلبه الذي استوعب الجميع. حباه الله القبول لدى الجميع، فعندما يتحدث نصغي إليه بشوق، وعندما يصمت نسترق النظرات إليه بذوق. كان ذكيا لماحا، لكنه يتباسط أمامنا فيمنحنا الأمان والراحة والطمأنينة. إن تحدث أشبع الموضوع أدبا وإخلاصا.. وإن صمت ملأ المجلس وقارا.. لا يفرق بين صغير ولا كبير.. يحترم الجميع ويمازح الكل.. إن خاطبته أصغى إليك أذنيه باهتمام.. فيمنحك اهتماما كبيرا ومساحة واسعة، لتخرج له كل ما في قلبك وجعبتك. ولنا معه ذكريات.. ومواقف لا تنسى.. فمنذ نعومة أظافرنا وهو يحرص على أن نرافقه للحاضرة والبادية.. كان معلما وافيا وفيا، حريصا على تعليمنا كل شاردة وواردة.. وكان صدره رحبا يتسع لنا جميعا.. فلا يمل من أسئلتنا المتكررة ورغباتنا الملحة.. ويكبر إجاباتنا فزادنا ثقة بأنفسنا.. وتحمل شقاوتنا، وكان يغض الطرف أحيانا، ويوجهنا أحيانا، ويحزم معنا حينما نتمادى في الخطأ.. وكان حريصا على كل معلومة تزيد من ثقافتنا وعلمنا.. في مشوار حياته.. وفي صغره عاش يتيما، ولكن إرادته وطموحه لم يكن لهما حدود.. أهل نفسه وكابد وكافح حتى تفوق على كل الظروف.. فبعد أن شق طريقه بالتعليم وأصبح معلما، انتقل الي المنطقة الشرقية مع عمتي -أم عادل- إلى حيث يقيم قريبه ونسيبه (والدي)، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيش معا أسرة واحدة.. ترك وظيفته معلماً، وتوظف في إحدى الشركات الأجنبية، وبعدها دخل عالم الأعمال.. وإلى آخر أيامه ورغم مرضه كان يتحدث عن جديده ومخططاته.. فهو يُؤمِن بان المرض الحقيقي بالنسبه له هو التوقف عن العمل.. لا يمكن اختزال سيرة رجل أثر في حياتي بهذا الشكل في عدة أسطر، فسيرته بحاجة إلى مجلد. فبعد والدي، أنا حقيقة أدين لهذا الرجل الذي أثر في حياتي فتعلمت منه معنى القيم واستلهمت منه الحكم. والحقيقة يعتبر العم أبو عادل «فقيده» لنا جميعا.. وسيبقى اسمه محفوظا في حياتنا، وسيبقى أثره باقيا في نفوسنا، وستدوم مكانته في قلوبنا ما حيينا. نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويدخله فسيح جناته، ويسكنه جنة الفردوس، وأن يجزيه خير الجزاء على ما أحبنا وعلمنا وشجعنا، وعلى ما أثر فينا بتعليمه المقصود وغير المقصود.. نعم هو ذلك الرجل الذي ترك أثره الطيب وابتسامته الصادقة على كل من عرفة او صادفه.. باختصار هذا هو «عمي عيد».