تخيل أنك تقرأ رواية (العجوز والبحر) لإرنست همنجواي، وبينما تمسكُ الكتابَ بيديك، وإذ بأناملك تتحسس ذرات ملح بارزة ومنثورة على سطح غلافه، في حين ينشغل أنفك بشَمّ شَذًى شبيه برائحة مركبات عضوية متطايرة، تلك التي تحبها طيور البحر. وعلى هذا المنوال، أطلق خيالك أبعد، إلى روايات تدور أحداثها بين بيوتٍ طينية، أو مروجٍ نباتية، أو حتى مدنٍ إنسانية، ثم أخبرنا عن شعورك. أُهدِيتُ مؤخرًا كُتبًا، لم أندهش من عناوينها الراقية فحسب، بل من أريجهاالعَطِر، الذي يفوّح بين صفحاتها! ينحصر الكلام الآن في العلاقة بين الكتاب والشعور برائحته، عن مركباته الكيميائية، ونوع ورقه وحبره، وطريقة تغليفه، ويتناول في غالبه الكتب والمخطوطات القديمة، بل إن ثمة من أنتج لمحبي القراءة عطرًا برائحة الكتب، وفي هذا البُعد يقول ألبرتو مانغويل إن حاسة الشم لها دور مهم في الإحساس بالقراءة. ولكن لم أسمع أحدًا يتحدث عن البُعد الآخر؛ عن تعطير الكتاب برائحة تُميّزه؛ حسب فكرته، أو مكانه، أو موسمه، أو حتى أشخاصه. هذه الفكرة التي تقودنا إلى مفهوم يعرفه علماء النفس، وهو ترميز المعلومات بالذاكرة من خلال الحواس الخمس، حيث كلما زاد عددُ الحواس المستخدمة في إدخال المعلومات إلى العقل، فإن فرصة بقائها واستدعائها تكون أقوى، ومن ناحية الإحساس بالرائحة فإنها تشترك مع المشاعر في منطقتين في الدماغ، تستدعي إحداهما الأخرى في كل مرة تُحفّز فيها. إن تطبيق فكرة الكتاب المُعطر ليس مستحيلاً، ولكن حتى نجدها على الأرفف، قد يكون من المفيد تجربتها مع كتابك؛ فهذه اللمسة اللطيفة مع ما يشاركها، من ضوءٍ جيد، وقهوة عابقة، ممتعة وتساعد على تذكر المعرفة والمعلومات، كما أن إهداء الكتاب ذي الأريجٍ المميّز، لفتة لا يعرفها سوى القلة من أولئك المتماهين مع الطبيعة والفن والأدب، المنتقين لرقائق جمالها وحُسْنها،المتمثلين قول الشاعر روك دالون: «مثلك أنا، أُحب الحب والحياة ورائحة الأشياء الطيبة».