كان الخليج وما زال محط أطماع بعض الدول لما له من أهمية تعاظمت في الفترة المعاصرة، وكما هو معروف فإن التنظيمات الإقليمية لا يمكن أن تنشأ فجأة أو من فراغ، وتكون في العادة تعبيرًا عن تفاعل مجموعة من العناصر الإقليمية، ومن هنا نجد قيام مجلس التعاون الخليجي الذي جاء نتيجة تفكير قيادي وعميق ودراسات مستفيضة، فالتحديات التي تواجه دول الخليج تتزايد، وأصبح الاندماج الخليجي عاملا حاسما نحو توجّه لصياغة سياسة اقتصادية وأمنية لها قوتها عالميا، ومن خلال هذا الاندماج لن تجد نجاحًا لأي أطماع غربية في حدود إقليمية مندمجة ومتعاونة لها صوت واحد ورأي وقوة واحدة. هناك أهميات استراتيجية عديدة لقيام مجلس التعاون الخليجي، ويتصدر تلك الأهميات الجانب الاقتصادي الذي لم يكن وليد العصر ويرجع إلى قدم الحضارات التي قامت على أرض الخليج، ومن الأهميات نجد الجانب السياسي والذي يمكن وصفه بالعقل الحكيم الذي يدير هذه المنطقة المهمة في وسط عالمي متقلب تتحكم فيه الأطماع، وبالإضافة لذلك نجد الجانب الأمني والذي أصفه بالدرع للأمة العربية وفقاً لحقائق عديدة أثبتت أن المنطقة هي جدار دفاعي لمحاولات إيران التي تحاول تغيير تقسيم واقتصاد المنطقة. اقتصاد الخليج اعتمد شبه كليا لمدة طويلة على ذراع واحدة وهي ذراع النفط، ومع التقلبات العديدة على الاقتصاد العالمي بدأت دول الخليج في رسم رؤاها لتعزيز اقتصادها وتحقيق تنمية مستدامة، فقطر على سبيل المثال أعلنت عن رؤيتها «رؤية قطر الوطنية 2030» قبل إعلان السعودية عن رؤيتها لعام 2030 بعدة سنوات، ولكن ما الذي تغيّر لرؤية بالتو أكملت عامها الأول ورؤية أكملت 9 سنوات منذ إعلانها؟. عند الأزمات يكون الأثر على «الصغير» أكبر من الأثر على «الكبير»، وهذا أمر لا نختلف عليه خصوصًا اذا كان هناك توهّم بالسيادة أو القوة، ومثال على ذلك ما شاهدناه على أرض الواقع وفي فترة بسيطة على الاقتصاد القطري بعد إعلان السعودية وبعض الدول التي تضررت من سياسة قطر قطع العلاقات مع قطر، فمن ينظر لحجم الهزة التي أصابت الاقتصاد القطري خلال هذه الأزمة سيشكك في حقيقة وجود رؤية وطنية قطرية لها سنوات وتستهدف سنوات قادمة، ولدرجة أن أصحاب القرار من المستشارين الأجانب في قطر الشقيقة لم يتوقعوا السيناريو الحاصل. الرؤية الوطنية لقطر نجد أنها تهدف إلى تحويل شبه الجزيرة إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة من خلال الطريق الأمثل الذي يتماشى مع رغبات قيادتها وتطلعات شعبها، وفيما يخص التنمية الاقتصادية، نجد من وثيقة الرؤية أن قطر حددت غايات مستهدفة من خلال إدارتها للاقتصاد، وشمل ذلك تحقيق معدلات نمو اقتصادية مقبولة ومستدامة للحفاظ على مستوى معيشي مرتفع، واستقرار مالي واقتصادي يتميّز بمعدلات تضخم منخفضة، ونظام استثماري محفز قادر على جذب الأموال الأجنبية، بالإضافة إلى التنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي والتعاون مع المنظمات الاقتصادية العربية والإقليمية لإقامة روابط تجارية واستثمارية ومالية، ويبقى السؤال هنا: هل توقع أصحاب القرار في قطر الشقيقة أن كل هذه المستهدفات بدأت بالتلاشي من جراء مقاطعة خلال فترة بسيطة؟ وهل سيستوعب أصحاب القرار حجم التداعيات الاقتصادية الكبيرة المتوقع حدوثها خلال الفترة القريبة القادمة؟. بالنظر للمرحلة القادمة، ماذا لو استمرت قطر في عنادها واستمرت بسياستها المعادية للدول العربية عامة والخليجية خاصة؟ فالإجابة هنا واضحة حتى ولو قام محللو قناتها «الجزيرة» بالتلميع للاقتصاد القطري وإخفاء الواقع عن أشقائنا القطريين برسائل إعلامية مضللة، فاستمرار المقاطعة على المديَين القريب والبعيد سيؤدي إلى توقف غالبية المشاريع التنموية خاصة مع تخفيض التصنيف الائتماني لقطر وبنوكها والذي من المحتمل أن يتم تخفيضه مجددا لمستويات أدنى، وهذا يعني الوصول لتسريح بمعدلات غير مسبوقة لموظفين من كافة الجنسيات بما فيهم المواطنون والمجنسون والمقيمون، وستتراجع الثقة إلى مستويات متدنية في الاستثمارات داخل قطر بالإضافة إلى تراجع الثقة في مكانة الغاز القطري عالميا بسبب احتمالية عجزها عن الوفاء لعملائها بشحناتهم من الغاز. حتى ولو كان الواقع مؤسفاً، فالظن أن الإعلام المزيف المحرض والعبث من خلال المال هو أساس للسيادة يُعتبر وهمًا سيسقط في أقرب هزة، وتجاهل الثروات البشرية والمصالح التي بُنيت عليها أساسيات مجلس التعاون الخليجي ستؤدي في نهاية المطاف إلى عُزلة والتحوّل إلى هشاشة اقتصادية لن يفيدها حتى التجنيس المُقنع، والظن والتوهم بأنك قوة اقتصادية ثم يهتز اقتصادك لمجرد مقاطعة بسيطة سيؤدي إلى أزمة داخلية أكبر لن تنقذها أي رؤية. ختامًا.. ندعو الله أن تعود قطر لبيتها ومحيطها الخليجي وألا تهدم بيتها من خلال مرتزقة مال، ويبقى المواطن القطري الأصيل أخًا وشقيقًا لنا في دول الخليج، ونتمنى أن نرى اقتصادًا قطريًّا وسياسة قطرية يقودها أبناء قطر الأصيلون.