بعد أربع روايات ذات طابع رومانسي تتناول الحب الإنساني بين الرجل والمرأة بينها سقف الكفاية وصوفيا، ينتقل علوان للعشق الإلهي في روايته الأخيرة التي لا تخلو من الحب الإنساني أيضاً، وهنا تتقاطع رحلة علوان الروائية مع رحلة ابن عربي الصوفية. رواية (موت صغير) هي الرواية الخامسة للروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان، وتحكي هذه الرواية سيرة متخيلة لحياة الفيلسوف المسلم محيي الدين بن عربي منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري وحتى وفاته في دمشق. تعرض لنا الرواية رحلات ابن عربي الكثيرة والتي زار خلالها عدداً كبيرا من الأقاليم بدءًا بشبه الجزيرة العربية والشام والأناضول والعراق والمغرب العربي، وبالطبع الاندلس التي وُلد بها يعيش في أثنائها البطل تجربةً روحانيةً عميقة حاملاً روحه القلقة محاولاً تأدية رسالته التي يسعى لأجلها. كل ذلك يحدث في ظل شخصية حقيقية- ابن عربي- وأحداث متخيّلة. الحب في هذه الرواية هو الموت الصغير، لكن علوان لم يأت بحبٍ تقليدي، بل ابتكر شكلاً جديداً للحب ربطه ببطل الراوية، فالشخصية التي اشتهرت بالعلم والمعرفة والتصوف تم تجريدها من كل تلك الصفات عدا الأخيرة تقريباً، ورمى علوان بعد ذلك ببطل روايته في أحضان الحب وجعله يعاني من ألم الفراق حيناً ومن لوعة الفقد أحياناً، وكل تلك الأحداث شكلت حياة ابن عربي مثله مثل أيّ إنسانٍ قد يعاني من كل تلك الأمور المزعجة والمكدرة لصفوه. طعّم علوان روايته بعددٍ من الحقائق التاريخية المتنوعة، والتي عززت من نجاحه في وضع ملامح عامة لسيرة ابن عربي بقالبٍ روائي أدبي ممتع لا يتسرب اليك الملل جراء هذا السرد القصصي التاريخي. المفارقة أن علوان يأخذنا بعيداً عن الجدل الفكري حول شخصية أثارت الجدل الفكري طويلاً، ففي فصول الرواية يتشكل ابن عربي من جديد على مداد قلم علوان ليجوب بنا المدن والأقاليم ويخالط بنا البشر ويخلط مشاعرنا بمعاناته وآلامه وأحزانه وأفراحه أيضا. في أحد الحوارات الصحفية مع علوان ذكر أنه لا يسعى لمناقشة التصوّف والجدل المصاحب لابن عربي عبر هذا العمل، بقدر الاكتفاء باستعراض رحلات أحد المتصوفة قبل ثمانية قرون، معتبراً أن حالة الرحيل الدائم التي اكتنفت حياة ابن عربي هي الفكرة الأساسية للرواية، وهي التي بنى عليها التفاصيل الحياتية اليومية لابن عربي، التي لم يرصدها المؤرخون كما اعتنوا بتصوّفه ومذهبه الجدلي. يحكي علوان على لسان ابن عربي قائلاً: منذ أوجدني الله في مرسيّة حتى توفاني في دمشق وأنا في سفرٍ لا ينقطع. رأيت بلاداً ولقيت أناساً وصحبت أولياء وعشت تحت حكم الموحدين والأيوبيين والعباسيين والسلاجقة في طريقٍ قدّره الله لي قبل خلقي. من يولد في مدينة محاصرة تولد معه رغبة جامحة في الانطلاق خارج الأسوار. المؤمن في سفرٍ دائم. والوجود كله سفرٌ في سفر. من ترك السفر سكن، ومن سكن عاد إلى العدم.