منذ الطفولة اشتهر الأديب والمفكر المصري الراحل أحمد أمين بشغفه الكبير في العلوم الإسلامية، حيث ذهب في طفولته المبكرة إلى الكُتّاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وتدرّج في مراحل التعليم حتى التحق بالأزهر للاستزادة المعرفية الشرعية، ومكث في الأزهر بضع سنين قبل أن يغادره ملتحقًا بوظيفة في سلك التعليم. بدأ أحمد أمين حياته العملية في جامعة القاهرة بدءًا بمشروعه البحثي عن الحياة العقلية في الإسلام منذ عصر ما قبل النبوة، مرورًا بدولة النبوة والحقب المتتابعة لها وانتهاء بسقوط الأندلس، وقد أتت هذه السلسلة في 9 مجلدات وهي (فجر الإسلام، وضحى الإسلام (3 أجزاء) وظهر الإسلام (4 أجزاء) ويوم الإسلام)، حيث تناول في الفصل الأول من «فجر الإسلام» أحوال جزيرة العرب من حيث الموقع والطبيعة الجغرافية وملامح التجارة والحالة الاجتماعية وعلاقة العرب بالأمم الأخرى آنذاك، كالروم والفرس، ثم تحدث عن طبيعة العقلية العربية في الجاهلية وتأثير الفرس والروم عليها من كافة النواحي. في حين خصّص الفصل الثاني لبدايات ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية مع ذكر أجزاء واسعة من السيرة النبوية، وقد أعطى في هذا الفصل ملمحًا عن تأثير الإسلام على حياة الفرد العربي خاصة الحياة العقلية والتطور فيها عن مثيلتها في الحياة الجاهلية مع مناقشة بعض هذه التطورات والاخبار بقواعد علم الاجتماع الحديث. أما في الفصلين الثالث والرابع فقد خصّصهما للحديث عن ثلاث أمم.. الفرس واليونان والروم، تحدث في البداية عن خصائص تلك الأمم ومن ثم استعرض كيفية تطور فكرهم بدخول الاسلام في معادلة حياتهم وكيف أثروا هم على المسلمين وتحديدًا في مجال نشأة الجماعات الدينية، موضحًا أن كثيرًا من الأفكار قد تكون ناتجة عن امتزاج الأفكار ببعضها نتيجة التداخل الحضاري بين الأمم. وتحدث المؤلف في الفصل الخامس عن الحركة العلمية في القرن الأول الهجري بغرض إعطاء تصوّر شامل عن تلك الأمور. والفصل السادس تناول فيه العلوم الدينية في القرن الأول الهجري أيضًا كمراحل والأسباب الداعية لظهور ومن ثم تدوين علوم الحديث وكيف نشأ علم الجرح والتعديل والتفسير وغيرها من علوم الشريعة الإسلامية والتي بسط القول في الحديث عنها حتى عد البعض هذا الفصل أنه أثمن فصول الكتاب. أما في الفصل السابع وهو الفصل الأخير فقد تناول فيه بعض الفرق الإسلامية التي نشأت في عصر صدر الاسلام وبداية عصر بني أمية كالمرجئة والخوارج والشيعة والمعتزلة، وتناول في بيان تاريخي موجز نشأة كل منهم. يأخذ عدد من العلماء والنقاد والمهتمين في العلوم الشرعية والتاريخية على المنهج العلمي لأحمد أمين أمرين مهمّين وهما تأثره الشديد بالمعتزلة حتى إنه قال ذلك صراحة في بعض كتبه اللاحقة، ولذلك نجد في ثنايا حديثه صورًا من الثناء المبالغ فيه للمعتزلة. أما الأمر الآخر فهو تأثره بأطروحات المستشرقين، وأنه سلك مسلكهم وأخذ بآرائهم ليضمنها معظم مؤلفاته. لكن بشكلٍ عام فإن الكتاب يقدّم مادة ثرية بلغة أدبية راقية لكل مهتم بالدراسات الفكرية، وبالتاريخ الإسلامي، فهو ليس مجرد كتاب تاريخي هو كتاب في الأدب والتاريخ والسياسة والفكر.