انحازت المملكة على مر تاريخها إلى كل ما يجمع ولا يفرق، وكل ما يحمي الأمن والاستقرار سواء على مستوى المنطقة أو العالم، واستخدمت في هذا الإطار صيغة التعاون والعمل المشترك، ولغة الحوار، وذلك لإيمانها العميق بأن المشكلات لا تحل بالمواجهات، ولا بالحروب والنزاعات، وأنه ما من قضية حسمتها المعارك العسكرية، حتى وإن انتهت بغلبة الطرف الأقوى، لأن جذور القضية ستبقى مشتعلة تحت الرماد تنتظر الجولة التالية، وهذا ما يفسر انحياز السياسة السعودية منذ الملك المؤسس - رحمه الله - وإلى اليوم إلى الهدوء والتعقل في قراءة القضايا، والتعامل معها بالحكمة، والتعالي على لغات التشنج أو الدخول في المناكفات الإعلامية أو الدبلوماسية مع الآخرين، مدركة أن استفزاز واستثارة ضمائر الشعوب بالشعارات الفارغة ما تلبث أن تسقط طال الزمن أو قصر، وربما يكون هذا هو سر ابتعاد المملكة عن الدخول في أي خصومة حتى مع أولئك الذين ناصبوها العداء لا لشيء، وإنما غيرة من دورها المتعقل، والذي اكتسبت به ومن خلاله احترام العالم، بما في ذلك أولئك الذين اختلفوا معها على الصعيد السياسي. حتى إيران بثورتها العدوانية، حاولت المملكة أن تفتح كل أبواب الحوار مع رؤساء حكوماتها المنتمين إلى ما يسمى بفريق الإصلاحيين ومدت لهم يدها كما حدث مع محمد خاتمي، وهاشمي رافسنجاني، ولكن سيطرة الصقور على السلطة هناك لم تدع مجالا للتفاهمات، ومع هذا لا تزال المملكة تنادي بضرورة بناء علاقات حسن الجوار بين البلدين شريطة تخلي طهران عن منهجها العدواني في التدخل في شؤون دول المنطقة، ورعاية الإرهاب، والعبث بالأمن الإقليمي، ومن ثم الدولي، وهو ما يراه الجميع رأي العين، حيث دأب معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير على التذكير في مختلف المحافل الدولية على التذكير بأن المملكة لا تناصب إيران العداء، وأنها تريد أن تقيم معها أفضل علاقات حسن الجوار، ولكن مقابل أن تحترم هي حقوق دول المنطقة السيادية، وأن تتخلى عن منهجها الذي لا يخدم إلا الفوضى، ولا يؤدي إلا إلى إثارة التوتر والاحتقان بين دول ومجتمعات المنطقة، وحين تتخلى عن هذا المنهج فسيكون الجميع شركاء في بناء السلام، وهذا ما يتمناه كل العقلاء. والذين يريدون مخلصين النأي بهذه المنطقة الحيوية عن الفتن والحروب والنزاعات.