الوعي الفكري مرتكز أساس تقوم عليه الحضارات الإنسانية.. فالوعي الثقافي والأخلاقي على سبيل المثال، يكفل للأفراد احترام حقوق بعضهم والتعامل مع مشاكلهم واختلافاتهم بأسلوب حضاري راق، وهذا على أقل تقدير، فهو في حقيقته يفعل ما هو أعلى وأنبل من ذلك.. وقضية الوعي بشكل عام مهمة وحساسة بل وخطيرة، ولأجل ذلك عكف كثير من العلماء على محاولة تحليله، ليس لأجل الوصول إلى طريقة مثالية لخلق عقول واعية فقط، إنما بهدف كشف الآلية التي يتم من خلالها «تضليل الوعي».. فهناك من اهتم بالجانب الإعلامي والدعائي الذي يسيطر على الناس، وهناك من اهتم بالجانب السياسي، وآخرون اهتموا بالجانب الديني.. فالإعلام والسياسة والدين نظم اجتماعية مفصلية في حياة الأفراد، إما أن ترتقي بوعيهم وأخلاقهم وتساهم في حل مشاكلهم وتهذب نوازعهم أو أنها تفعل العكس بطريقة شنيعة.. فالمخربون والإرهابيون والثائرون على غير هدى، هم ضحايا تضليل إما ديني أو إعلامي أو سياسي.. وما يجعل القضية شائكة أن مفهوم الوعي وتحديدا الفكري والديني والسياسي والإعلامي هو مفهوم نسبي، فما تراه أنت وعيا قد لا يراه الآخرون كذلك.. المشكلة الأعمق أن الإنسان المضلل لا يرى نفسه كذلك وعلى النقيض، هو يعتقد أنه وصل إلى درجة عالية من الفهم والوعي، لكنه في الحقيقة وصل إلى حالة صعبة جدا جعلته يرى نفسه في مكانة فكرية أعلى من الآخرين، وأنه بلغ من الحكمة والوعي ما يخوله الحكم وفرض الرأي على الآخرين باعتباره يفهم الأصلح لهم!! إذا أردت أن تعرف علامات التضليل العقلي التي يعانيها أي انسان، فانتبه إلى درجة اليقين التي يتحدث بها في قضاياه، فالعقول المضللة تتحدث دائما بيقين مؤكد في قضاياها التي تعرضها، واليقين دائما ضد المعرفة والتعلم، لأن العلم برمته يتطور ويرتقي بالشك والبحث عن إجابات لأسئلة متوالدة لا تنتهي.. أيضا لتعرف درجة التضليل التي يعانيها البعض، انتبه لطريقة تبريرهم لكراهيتهم وتجاوزاتهم على الآخرين سواء بالنقد أو الطعن أو حتى أبعد من ذلك تحت شعارات دينية أو أخلاقية مؤمنين بها حقا أو يدعونها، وهؤلاء إما أن يكونوا من فئة المضللين أو من الفئة التي تحاول أن تتلاعب بوعيك.. في مقابل ذلك الفكر الواعي هو الذي يحصن حامله من التعصب للأفكار أو الشخصيات، هو الفكر الذي يطرح التساؤلات وليس الإجابات، هو الفكر الذي يدفع صاحبه إلى التسامح بدرجة عالية مع اختلافات الآخرين وعدم تكوين توجهات سلبية عدائية ضدهم هو الذي لا يؤمن بحقائق مطلقة حد التقديس.