أعلنت وزارة العمل قبل فترة عن تعديلات في نسب السعودة على بعض أنشطة القطاع الخاص في برنامج نطاقات كأحد الإجراءات لتحسين أداء سوق العمل، وبعد اطلاعي على التعديلات المعلنة على البرنامج أجد أن الوضع والتحليل يختلف من نشاط لآخر، والتوجه لرفع نسب السعودة في بعض الأنشطة لا يعنى فقط بزيادة توظيف الأيدي العاملة السعودية فيه، والأقرب له هو التوجه لتخفيض عدد الوافدين بالنشاط كهدف أساسي. الهدف الإستراتيجي الثامن لوزارة العمل في برنامج التحول الوطني كان مضمونه «توفير فرص عمل لائقة للمواطنين»، ويرتبط هذا الهدف بعدة أهداف لرؤية المملكة ومن أهمها تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لمواءمة احتياجات سوق العمل المستقبلية بالإضافة إلى تنمية مهارات الشباب وحسن الاستفادة منها، واندرج تحت هذا الهدف عدة مؤشرات أداء منها تخفيض معدل البطالة للسعوديين ليصل إلى 9% بحلول عام 2020م، وتحديد الفرص الإضافية اللائقة المتاحة للسعوديين في القطاع الخاص ب 1.2 مليون وظيفة، وبالرغم من تحفظي على ربط وزارة العمل نفسها مباشرة بتخفيض معدلات البطالة إلا أني مقتنع بدورها كأحد الجهات الرئيسية في سن سياسات تساهم في تحسين أداء سوق العمل حتى يكون جاذباً للأيدي العاملة المحلية. من وجهة نظري الشخصية أرى أن مؤشرات الأداء التي تم الإعلان عنها تحت الهدف الإستراتيجي الثامن لوزارة العمل ينقصها بعض الوضوح، فعندما نتحدث عن توفير فرص عمل لائقة يعني ذلك أننا نتحدث عن وظائف تطويرية وليست تكميلية ويكون معدل أجورها «على الأقل» يتجاوز خط الكفاية الذي يتم الإعلان عنه من قبل بعض الجهات، وترك مؤشر الأداء بدون توضيح له يعني أننا ما زلنا نعمل في نفس دائرة التوظيف الكمي وليس النوعي، ولذلك أتمنى ان يكون هناك توضيح أكبر حتى تكون الصورة واضحة ومرتبطة بالمعنى المتعارف عليه لفرص العمل اللائقة. أجور العاملين في القطاع الخاص تحكمها سياسة «الطلب والعرض»، وبوضع السوق الحالي من الصعب تحديد حد أدنى للأجور بالمعنى المتعارف عليه حسب سياسات منظمة العمل الدولية، ويخلط البعض بين معنى الحد الأدنى للأجور وبين الحد الأدنى لتسجيل العامل السعودي كفرد كامل في برنامج نطاقات من خلال سجلات التأمينات الاجتماعية والذي يقدر بثلاثة آلاف ريال، ووجهة نظري الشخصية أننا لم نصل إلى الدرجة الكافية من الجاهزية للإعلان عن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، ولكن هناك عوامل عديدة تدعم العمل على توفير «فرص عمل بأجور لائقة» للمواطنين ولم نستغلها ابداً في أي توجه من توجهات وزارة العمل خلال العشر السنوات السابقة. أستغرب من التأخير في مسألة توفير «فرص عمل بأجور لائقة» للمواطن السعودي، فالمسألة لا تحتاج إلى معادلات ومستشارين ودكاترة إحصاء ليتم إقرارها، فالقاعدة واضحة مثل ما ذكرت أعلاه بأن أجور القطاع الخاص تحكمها سياسة العرض والطلب، والعديد من منشآت القطاع الخاص تحرص على مراجعة سلم الأجور لموظفيها بشكل دوري ووفقاً للمتغيرات التي تطرأ على سوق العمل، وبغياب التحفيز الفعلي فلن نجد سوى توجهات كمية وليست نوعية في توظيف الأيدي العاملة المحلية، ولذلك من المهم أن يتم الاهتمام بشكل عاجل على ربط أجور الأيدي العاملة السعودية بعملية احتسابهم في برنامج نطاقات حتى لو كانت الآلية مرتبطة بنوع النشاط حتى نصل للوظائف اللائقة. العمل الشريف ليس عيباً، وتركيبة القوى العاملة في أي نشاط تختلف عن غيرها من الناحية النوعية، والاستراتيجية الحالية التي تعمل عليها وزارة العمل منذ تطبيق برنامج نطاقات هي توفير فرص عمل ليكون جميع الباحثين عن العمل تحت تصنيف أصحاب «الياقات الزرقاء» حسب التصنيفات المهنية في علم الموارد البشرية متجاهلين الفرق بينهم وبين أصحاب «الياقات البيضاء» والتي يندرج تحتها أغلب فرص العمل بأجور لائقة، ولتوضيح الفرق بينهم بشكل مبسط «أصحاب الياقات البيضاء يعملون في بيئة منظمة وبوظائف ذات أجور لائقة، وأصحاب الياقات الزرقاء يعملون بالوظائف الأقل تصنيفاً وغالباً تكون وظائف العمالة». الأيدي العاملة السعودية أثبتت نفسها في العديد من الوظائف المتوسطة والعليا، وسبب ذلك بالمقام الأول هو الاهتمام بتطويرهم ودعمهم وتحفيزهم مما كان له تأثير كبير في زيادة التراكم المعرفي لهم في سوق العمل، وفي السابق سمعنا عن بعض الأخبار الصحفية بأن وزارة العمل تدرس احتساب العامل الوافد الذي يتقاضى اجراً عالياً في منشآت القطاع الخاص ب «وافدين» عند احتساب نسبة السعودة في المنشأة، ولكن تظل مثل هذه الأخبار مجرد اجتهادات صحفية لا صحة لتطبيقها، ومنذ تطبيق برنامج نطاقات ونحن نطالب بالتوجه للتوظيف النوعي وليس الكمي للسعوديين من خلال ربط أجور السعوديين بعملية احتسابهم في معدلات السعودة للمنشآت، وهذا ما قامت به الوزارة عند إعلانها عن برنامج نطاقات الموزون والذي لا أعلم ما سبب تأجيل تطبيقه حتى الآن. ختاماً: ليس من المعقول أن يكون اقتصاد بمتانة اقتصاد المملكة عاجزا عن تحديد فرص العمل التطويرية فيه «أو» حتى تحديد عدد من تم توظيفهم بمعدلات أجور تفوق خط الكفاية، وحتى ننجح في تحقيق الهدف المتعلق بتوفير فرص عمل لائقة للمواطنين من المهم أن يكون هناك مؤشر أداء لمن تم توظيفهم بوظائف تطويرية وليست تكميلية ويكون معدل أجورها فوق خط الكفاية، وبدون هذا المؤشر لا تعتبر الفرص المتاحة لائقة أبداً.