كتبت في مقال سابق عن «المادة 77» من نظام العمل السعودي بعد التعديلات الأخيرة عليه، ومن المخزي جداً استمرار تعامل بعض المنشآت مع هذه المادة بطريقة سلبية واستغلالية تجاه موظفيها في مخالفة صريحة للأنظمة، وطالبت كثيرًا بأن يكون التعامل مع تلك المنشآت بتطبيق أشد العقوبات عليها، فالمادة كان الهدف الرئيسي منها هو تحديد مقدار التعويض والذي كان محل خلاف طويل سابقا عند تحديد التعويض للموظف عند فصله تعسفيًا أو عند إنهاء العقد بين الطرفين لسبب غير مشروع، ولكن المشكلة الرئيسية كانت بطريقة فهمها وارتباطها بإلغاء مادة مهمة وهي «المادة 78» في النظام السابق. في نظام العمل السابق وبالتحديد «المادة 78» نصت أنه من حق العامل الذي يفصل تعسفيًا أن يرفع دعوى يطلب فيها بإعادته إلى العمل، مع المطالبة بجميع الرواتب التي لم يستلمها من وقت فصله تعسفيًا الى تاريخ إعادته للعمل، وكان هناك تذمر بسبب تلك المادة بحجة أنها تسببت في أضرار جسيمة لصاحب العمل وللعامل، ومشكلة التذمر كانت في القرار النهائي عند البت في القضايا العمالية والتي تمتد لفترات طويلة تصل لعام أو أكثر، وبمعنى أوضح «كان أطراف القضية يتحملون ذنب غيرهم في التأخير» مما أدى لتكدس القضايا العمالية، وهذا التأخير كان يرهق أصحاب الأعمال خصوصا في مسألة دفع جميع الرواتب دفعة واحدة في حال خسارة القضية دون أن يكون العامل على رأس العمل، وبعد التعديلات الأخيرة أرى من وجهة نظري الشخصية أن تلك المادة كان ينبغي أن لا يتم إلغاؤها لأنها تحمي العامل وتحفظ حقوقه، فالوضع الحالي بعد الاستغلال السلبي «للمادة 77» نجد أن التغيير والتعديل مطلب لا بد منه خصوصا في المرحلة الحالية وذلك للضرر الكبير على العاملين في القطاع الخاص. نظام العمل في أي دولة ينبغي أن يتميز بقدر عال من المرونة لحفظ الحقوق والمكتسبات للعامل ولصاحب العمل في علاقة متوازنة، وبما أن وزارة العمل مسؤولة عن نظام العمل وتطبيقه فلدي مقترحان، «المقترح الأول» بأن يكون هناك إعادة نظر عاجلة في «المادة 77» من النظام الحالي و«المادة 78» من النظام السابق، فإعادة صياغة «المادة 77» لتكون أكثر وضوحا هو أمر مهم، وإعادة تواجد «المادة 78» يعتبر حقا من حقوق الموظف ينبغي مراعاته، و«المقترح الثاني» هو إنشاء منصة إلكترونية يتم من خلالها عرض قائمة وبشكل دوري لكل منشأة تستغل تلك المادة أو غيرها من مواد نظام العمل بشكل غير نظامي على موظفيها، فللعامل الحق في معرفة بيئة العمل التي يعمل أو سيعمل بها، وللمنشآت النظامية التي تهتم بتطوير بيئة العمل الداخلية الحق في تمييزها عن غيرها من المنشآت المتلاعبة، ووجود تصنيف للمنشآت فيما يخص بيئة العمل هو توجه إيجابي سيزيد من تنظيم البيت الداخلي لمنشآت القطاع الخاص مما يولد المنافسة بينها. ما ذكرته في المقترحين أعلاه هو من مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات سواء أكان ذلك للعامل أو صاحب العمل، وأنا على يقين بأن الحماية الزائدة للعمال تؤدي إلى أمان وظيفي مبالغ فيه سيكون له انعكاس سلبي يتمثل في قلة الإنتاجية لعدم الخوف من فقدان الوظيفة مما يعود بآثار سلبية على أصحاب الأعمال ويؤدي ذلك لانعكاس سلبي على المجتمع كاملا، ولكن ما أطالب به أنا وغيري من المختصين أن يكون هناك «توازن» في النظام لجميع الأطراف. نظام العمل يحفظ حقوق أهم طرفين من أطراف معادلة سوق العمل «العامل وصاحب العمل»، والتعديلات الأخيرة في النظام تعتبر أفضل بكثير من النظام السابق والذي كان ضعفه سببًا رئيسًيا في تدني مستوى العمل في القطاع الخاص بالفترة السابقة، وإعادة النظر في احدى مواد النظام لا تعتبر أمرا مخجلا أبداً، وبإذن الله نرى تحركا سريعا فيما يخص ذلك حتى لا يزداد الأمر سوءا.