قبل أيام اختتمت فعاليات «حكايا مسك» في معارض الظهران التي انتقلت من الرياض إلى جدة ثم المنطقة الشرقية، تاركةً قصصاً إخباريةً رصدت بعضها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كان محورها شباب وشابات لم نعرفهم من قبل لكنهم يمتلكون إرادة ورغبة في التحدي. قصص كثيرة تلك التي كتبتها الصحف منها على سبيل المثال هيلة التي لم تمنعها الإعاقة أن تُشارك في سوق حكايا لتعرض لوحاتها التي رسمتها بقدمها، أو تلك القصص التي عرضها مسرح «حكايا مسك» حول الشهداء والمرابطين في الحد الجنوبي وتفاعل المجتمع معها. مثل هذه القصص بالتأكيد لا تستوعبها مساحة هذا المقال لكني أدعوكم للبحث عنها وقراءتها من خلال محركات البحث الإلكترونية أو بالرجوع لوسم «#حكايا_مسك» في تويتر، لكني سأتوقف قليلاً عند العواطف التي شعرت بها وأنا أقابل هؤلاء الشباب والشابات في أركان متفرقة من المعرض بعضهم وصلوا إلى النجاح وبعضهم يحفر طريقه بإيمان وطموح عميق ولا يزال. هؤلاء الشبان وُلدوا في مرحلة ما بعد طفرة الثمانينيات التي اتسمت بسهولة الحصول على الدخل التي تعهدتها الحكومة بمفهوم العقود الريعية غير المكتوبة، وانتهت بصدمة احتلال الكويت، ليبدأوا حياتهم في مرحلة جديدة من المخاض الذي تعيشه المنطقة منذ ذلك الحين سواءً من داخلها أو من تغير المزاج العالمي، هذه الصعوبات ألهمتهم منذ ذلك الحين ليكونوا أكثر قوةً وجلداً وأسمع صوتاً من جيل الطفرة. في أركان الفنون التي شملت الرسم والكتابة والرسوم المتحركة والمونتاج وجدت نفسي أمام مجموعة شبابية يافعة تمتلك المعرفة والطموحات والعزيمة للوصول إلى القمة وتحقيق النجاح بعيداً عن الوظائف التقليدية أو الطرق السهلة والأقل تحدياً، في صورة لم تكن موجودة في الثمانينيات الميلادية حينما كانت الطفرة توفر الوظيفة السهلة. وبنفس الطريقة كان المتطوعون والمتطوعات يديرون على مدار 9 ساعات يومياً كافة مهام التنظيم بكفاءة وبصورة تستحق الإشادة دون أن يتقاضوا عائداً مادياً يُذكر وهو ما يعكس مدى التحول الذي حدث لهذه المرحلة العمرية منذ انتهاء الطفرة مروراً بمرحلة الابتعاث وصولاً إلى بدايات مشروع التحول الوطني. حملت معي قصص هؤلاء ومشاعرهم والأهداف التي وضعوها أمامهم لتحقيقها وعزمت على مساعدتهم بقدر المستطاع في تحقيق ذلك مع يقيني بأن هؤلاء الشباب- من الجنسين- والمأخوذين بأحلامهم والواثقين في قدراتهم والمسلحين بالعزيمة والإرداة لا يحتاجون للمساعدة بقدر ما يحتاجه آخرون أدمنوا الرعاية من الغير والحذر المبالغ فيه. أتساءل ماذا لو انضم لهؤلاء غيرهم من الشباب وتحدوا إحباط سوق العمل وظروف الاقتصاد الذي لن يتعافى قبل عامين على الأقل، وأعادوا التفكير في الفرص التي يمكن أن يصنعوها بأنفسهم، وماذا لو أعاد رجال الأعمال التفكير في مستقبل الأعمال في المنطقة الذي تعمل الرؤية السعودية الجديدة على تغييره من حيث النوع والشكل ليتلاءم مع أهداف 2030م؟. لماذا لا يتبنى آخرون فكرة جمعية مسك الخيرية التي كانت واضحة من البداية في تقديم الشباب ودعم طموحاتهم وشغفهم في الفنون والأعمال الإبداعية ليسهموا في صناعة المحتوى الوطني الذي يعاني من جهة من حيث قلته، ومن جهة أخرى في كونه مرهوناً بأيدي غير المواطن خاصة فيما يتعلق بالإبداع وصناعته المحلية؟. فكرة مسك جميلة لكن الأجمل أن يتفاعل القطاع الخاص الوطني في دعم وتوظيف هؤلاء المبدعين والمبدعات والمشاركة في تحقيق وتمويل وإثراء أحلامهم وتحويلها إلى مشاريع حقيقية وقابلة للحياة والتطور والمراهنة عليها لتكون الحصان الأسود في فترة التحول الوطني وما بعد ال 2020م. وأخيراً دعونا نتفاءل بأن حكايات هذا الجيل- والذي مثله بعض المشاركين في فعالية مسك- ستستمر من حولنا وستُلهم أبناءنا أيضاً فهؤلاء أهم مكون من مكونات الاقتصاد الوطني.