يعيش الإنسان في الحياة بقيم يُطبّقها ويحرص عليها، كمُحدّدات للسلوك المقبول في مجتمعه ويعدّ التزامها نجاحا، ومؤشّرا على حسن السيرة، فهي صفاتٌ ذات أهميّة لاعتبارات نفسيّة أو اجتماعيّة، وهي بشكل عامّ مُوجّهات للسّلوك والعمل، وهي غايات يسعى الناس لإحقاقها لما فيها من جلب صلاح أو دفع فساد عاجلا أم آجلا، فهي قواعد تقوم عليها الحياة الإنسانيّة وتتميز بها عن الحياة الحيوانيّة، وإن اختلفت بحسب الحضارات حسب تصوّر أهلها لها. ومن خصائص القيم أنها إنسانية ترتبط بالإنسان لا بغيره، ترتبط بنفسيته ومشاعره، وإن اختلفت من إنسان لآخر، ومن حضارة لأُخرى، وهي مُتغيّرة لتفاعل الإنسان مع بيئته وتغيُّرات الوسط المُحيط به، وهي مُكتسبة من خلال البيئة وليست وراثية، وهي متفاوتة في الأولويّات على بعضها البعض، فيطبق إحداها على حساب الأُخرى، وهي متعدُّدة نتيجةَ اختلاف الحاجات الإنسانيّة اقتصاديّا وسياسيّا واجتماعيّا ونفسيّا، وهي ذات منطق جَدَليّ؛ تحتمل الحقّ والباطل، والخير والشرّ، وهي صعبة القياس لتعقد الظّواهر الإنسانيّة المُرتبطة بها، وهي ذاتيّة تظهر في مَشاعر الإنسان ميلا ونّفورا، وهي نسبيّة تختلف من شخصٍ لآخر حسب الزّمان والمكان. والقيم أصناف، فمنها قيم نظريّة: تتعلق برغبة الفرد بالتعلّم وسعيه نحو اكتشاف المعلومات والبحث عن مصادرها، وصاحب القيم النظريّة يتصف بقدرته على النّقد والنّظر للأمور بموضوعيّة، كالطّموح العلميّ، والتّجريب، والبحث العلميّ، والتّسامح الفكريّ. ومنها قيم اجتماعيّة: تظهر في رغبة الإنسان تقديم العون لمن حوله، وتفاعله الاجتماعيّ مع الوسط المُحيط به، واتّخاذه إدخال السّرور على الآخرين هدفا بذاته، كالعطف، والحنان، والإيثار. ومنها قيم دينيّة: تتضّح من خلال اطّلاع الإنسان المُستمرّ على أصل الوجود والكون، والتزامه بتعاليم الدّين، وحرصه على نيل الثّواب والبعد عن العقاب. ومنها قيم اقتصاديّة: تتمثّل في البحث الدّائم عن الإنتاج المُربِح، والاهتمام بالأموال والثّروات، وغالبا ما يَنظر أصحاب هذه القيم للأمور نظرةً ماديّةً قائمةً على مِقدار الرّبح والخسارة، وقد يتعارض هذا النّوع من القيم مع الأنواع الأُخرى. ومنها قيم جماليّة: تتعلق بالبحث عن الجمال في الأشياء كحبّ الفنون بأنواعها، وتذوق الجماليات. ومنها قيم سياسيّة: تتعلق بحبّ القوّة والتحكّم، وفرض القوانين على الأشخاص والأفراد، كتقدير السُّلطة، وتحمُّل المسؤوليّة، والميل للقيادة. وللقيم أهميّةٌ كبيرة في حياة الفرد والمجتمع فهي تُساهم في بناء الإنسان وتكوين شخصيته ليكون ناضجا مُتماسكا ذا مبدأ ثابت، وتكسب الفرد القدرة على ضبط النّفس، وتحفزه على العمل وتنفيذ النّشاط بشكل مُتقن، وتحميه من الوقوع في الخطأ والانحراف حيث تُشكّل القيم درعا واقيا، وتحقق له الإحساس بالسّلام الداخليّ والاستقرار والتّوازن في الحياة الاجتماعيّة، والشعور بالمسؤوليّة، وكسب ثقة النّاس ومَحبَّتِهم، والقدرة على التّأقلم مع الظّروف بقناعة، وتشكيل نمطٍ عامٍّ للمُجتمع وقانون يُراقب تحرُّكاته. وقد أثبتت الدراسات أن أنجح الأساليب لتكوين القيم وترسيخها في المُجتمعات، أمور من أهمها الإقناع، وذلك بتوظيف الأدلّة والبراهين لإقناع الأفراد بأهميّة قيمة مُعيّنة، واتّخاذ القدوة الصّالحة ليتأسى بها الناس، وسن القوانين التي تجعل القيم جُزءا من تشريعات ونظام الدّولة الذي يجعل تطبيقها لازما للمُجتمع، وتوظيف الإعلام لتوجيه المُتلقين نحو القيم ودعوتهم إلى تطبيقها، وربطها بالدّين لما له من أثر كبير على انتشارها وتطبيقها، خصوصا المُجتمعات المتدينة. وأهم مصادر القيم: الدّين والعقل والمجتمع، فالرسل والشّرائع والكتب السماويّة، إنما جاءت لهداية البشر وتوجيههم لصلاحهم، فما وافق الشّريعة صالح وما خالفها فاسد، والعقل بقدرته على تحليل الأمور، والنّظر في عواقبها، ومعرفة الخير والشّر، والمُجتمع بتمييز ما يناسبه منها فكل مُجتمع وظروفه وتطلّعاته، وما يناسب مجتمع قد لا يناسب غيره. وتكمن مُكوّنات القيم في المُكوّن المعرفيّ، من خلال اختيار قيمة مُعيّنة من البدائل، ومقارنتها بغيرها، والنّظر في نتائج اختيارها، وتحمُّل مسؤوليّته، والمُكوّن الوجدانيّ، من خلال الفخر بقيمة مُعيّنة وسعادة الفرد باختيارها، والمُكوّن السلوكيّ، الذي يُحدّد السلوك من خلال مُمارسة قيمة مُعيّنة في ظروف وأوضاع مُختلفة.