المعنى الصريح جدا للواسطة الذي لا يختلف عليه اثنان، هو أن تعطي شخصا أو فئة أو جهة ما لا يستحق أيا كان الحق: كالوظيفة، أو المميزات، أو عقد، أو صفة حتى، أو فرصة محددة لاكتساب شيء هو بلا شك دنيوي، وفي نفس الوقت تحرم منه المستحق، الذى لا حول له ولا قوة. والوجه الآخر هو المحسوبية، وقد رأينا ما رأينا العجاب ممن لا تخفى منهم خافية من توزيع المقدرات والممتلكات العامة على الأهل والأقارب والأصدقاء، وبغض النظر عن البحث عن الأسباب، والتي لا أجد لها متسعا في مقال واحد وأوجز أن منها ما هو نفسي؛ لإثبات الشخصية والمكانة واليد الطولى والقدرة على العطاء بجرة قلم، ومحاولة تبوؤ مكانة مرموقة في المجتمع، والأخرى أنانية للتكسب والتربح وتسجيل المقتنيات باسم الأهل والأقارب وربما الأصدقاء؛ درءا للشبهات وتأمينا لاستردادها في أي وقت. وسمعنا في ذلك القصص العجاب وجميعه يخرج من ثوب الفساد الإداري ليفرخ للمجتمع مسائل كثيرة معقدة، والجميع في غنى عنها، وبنظرة واحدة للميزانيات السنوية التي تقدرها وتوفرها حكومتنا الرشيدة لكل محافظة ولكل جهة ولكل مرفق، نؤكد صادقين أنها أكثر من كافية لإسعاد كل فرد في المجتمع، بل يصل الإسعاد للمقيم والحاج والمعتمر والسائح أيضا والمحتاج بالخارج، ولكن ما تعارفنا على الإشارة إليه ب «الواو» هو خراب المشهد الجميل حتى أصبح حقا من لا واسطة له يكاد يكون ليس مواطنا، واللي يجيب الحاجة مهما كانت نواقصها هو الشاطر (والشاطر معناها الشخص الذى يسرق في وضح النهار)، وللمناسبة كانت الواسطة تطل برأسها فقط في المصالح والمؤسسات العامة، أما الآن فما أكثرها في القطاع الخاص، وأقلها ما نعرفه جميعا فتش على الواسطة قبل أن تتقدم للالتحاق، ولا تغرك الشهادات التي تحملها أو مقدراتك ومهاراتك، ولا نص قانوني يحدد -إن لم أخطئ- مسألة إلغاء الحق واحقاق الباطل، ونأمل أن يسعفنا القانونيون وكذا القائمون على تطبيق القانون، بل كل من يهمه اصلاح المجتمع بالمشاركات التي يمكن أن نستفيد منها كمواطنين أولا. وإذا أردنا تعديد بعض الأضرار وأقول بعض للقلة أمام الكثرة من المفاسد، فإن الواسطة هي السرطان الذى يدمر كل شيء حوله، ليتضح لنا بعد فوات الأوان؛ لأنه غير محسوس أو مرئي، ولا يترك بينة أو مضبوطات؛ لأن الحيازة غير موجودة والبراءة بذلك أسهل من إخراج الشعرة من العجينة. رغم أن التدقيق في تطبيق الأنظمة والقوانين ومتابعة كيفية سيرها في مجراها الصحيح تقلل من تلك الظواهر بنسبة عالية، إلا أن الفساد الإداري تحديدا يشجع كثيرا على تنامي الوهن التنموي. وحيث إن الجميع يتمنى الخلاص من هذه الآفة، التي تأكل الأخضر واليابس من مقدرات بلدنا الحبيب، فإننا لا بد من معرفة أصلها، وكيفية استشرائها في مجتمع عرف بالتزامه الديني من غير إفراط أو تفريط. وفعلا ومن عقود خلت ومع بداية الطفرة في بداية الثمانينيات وكثرة المشاريع التي تتوالى إلى يومنا هذا لإسعاد المواطن والاهتمام بالتنمية التي أساسها طبعا وفي كل أولوياتها الطرق والصحة والتعليم، ومن ثم البقية الباقية، وقد وجد الناس أنفسهم في صراع مع الزمن للتعاطي مع النقلة السريعة المفاجئة، نتيجة للأموال التي سهل الحصول عليها من خلال المشاريع المطروحة أو إنشاء مشاريع خاصة، وأصبح الكل يبتغي السيارة والبيت الجميل وسيدة لهذا المنزل مع التمتع بالترفيه عند انفتاح أبواب بلدان العالم أجمع ولسان حالهم يقول هلموا إلينا آيها الأثرياء فنحن في حوجة لأموالكم ونعدكم بأن تعود إليكم في شكل مواد مستهلكة وصناعات مقلدة وتكونوا سوقا لنا نصدر لكم حتى العمالة، ورغم أن ذلك كان ولا يزال حال البعض وليس سمة مجتمعنا المحافظ، ولكنها لعنة يذهب الحرام من حيث أتى، ويبارك الله في الحلال ويدوم ويبقى.. وبس.