بلغت أرباح البنوك السعودية مجتمعة والبالغ عددها 12 بنكاً ومصرفاً في الربع الأول فقط من هذا العام 11.72 مليار ريال سعودي، فيما وصلت موجوداتها (أصولها) 2.198 تريليون ريال ومثل تلك الأرقام تقريباً أُضيفت لأرباح وموجودات الربع الثاني من هذا العام لتصبح الأرباح 23.3 مليار ريال، والموجودات 4.421 تريليون ريال وتراكمت الأرباح والموجودات أيضاً في الربع الثالث ليصبح مجموع أرباح تسعة أشهر فقط من عام 2016م للبنوك مجتمعة 33.3 مليار ريال، والموجودات 6.628 تريليون ريال وبالتأكيد ستتخطى أرباح البنوك مجتمعة بنهاية عام 2016م حاجز 40 مليار ريال بكل أريحية وستقترب موجوداتها لمستوى 9 تريليونات ريال، بمعدل ربح يومي يزيد عن 123 مليون ريال! مما يعني أكثر من 5 ملايين ريال ربح في الساعة الواحدة! وهذه أرقام اعتدنا على قراءتها في ميزانيات الدول وليس المؤسسات أو الشركات «اللهم لا حسد»، كل ذلك وأكثر من الاحتياطيات وغيرها برغم انخفاض أسعار النفط وبرغم الأوضاع الجيوسياسية وبرغم كل ما ينغّص على عيش المواطن السعودي من متغيرات أخيرة. وإذا ما ربطنا كل تلك الأرقام بأزمة الإسكان التي يتجرّع مرارتها أكثر من نصف سكان المملكة ممن لا يملكون مسكناً حسب إحصائيات الهيئة العامة للإحصاء، وعند مناقشتنا لهذا الأمر في برنامج إستديو الإخبارية بقناة الإخبارية الإسبوع الماضي تأكد أن أزمة الإسكان بالمملكة ليست أزمة فكر بالدرجة الأولى، وليس سببها شُح الأراضي بالدرجة الأولى، وليس سببها إمكانيات المطوّرين العقاريين بالدرجة الأولى، بل هي مشكلة تمويل بالدرجة الأولى قبل أي شيء آخر، فالمواطن البسيط بشكل عام لن يستطيع تملّك وحدة سكنية بالأسعار الحالية خاصة مع محدودية خياراته التمويلية، وكذلك لن تستطيع وزارة الإسكان دعم ذلك مادياً بشكل كامل في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، وأيضاً لن يستطيع المطوّر العقاري التنازل عن أرباحه دون دعم مادي من وزارة الإسكان. فإذا كان سبب أزمة الإسكان هو التمويل فكيف نفتقر لحلول تمويلية ولدينا إمبراطوريات مصرفية كالبنوك السعودية؟ أما آن الأوان لتلك البنوك أو المصارف أن ترد الدين للحكومة السعودية والتي دعمتها لعشرات من السنين، ومكّنتها من تحقيق أرباح فلكية مساندة إياها في حال تعرضها لأي متاعب مالية وداعمة للقطاع المصرفي ككل لتجنّب انهيار النظام المالي بالمملكة. عالمياً انهارت بنوك عدة في أمريكا وأوروبا وعلى رأسها «ليمان براذرز» ومررنا بعدة أزمات اقتصادية ورغم ذلك بقيت بنوكنا صامدة بفضل الله أولاً ثم بفضل دعم الحكومة السعودية لها، وتمكينها للبنوك من العمل بالسياسات والآليات التي تعمل بها حالياً. فهل تعلم عزيزي القارئ أن أرباح البنوك لمدة ساعة واحدة فقط تمكّن 10 أسر سعودية من امتلاك منزل أحلامهم؟ وهل تعلم عزيزي القارئ أن أرباح البنوك لمدة يوم واحد فقط تحل أزمة سكن 250 أسرة سعودية؟ بالتأكيد لا أُطالب هنا البنوك السعودية بأن تهب أرباحها للمواطن ليتملّك مسكناً وإن كان هذا الطلب شرعياً بوجهة نظر الكثيرين، لكن ما أطالب به هو أن تعمل البنوك السعودية بشكل جاد وحقيقي كشريك مع وزارة الإسكان لحل معضلة الإسكان وتقديم قروض حسنة (دون أرباح) على الأقل لتمويل الشرائح الأكثر احتياجاً للمساكن حسب تصنيف وزارة الإسكان، شريطة أن يكون ذلك القرض الحسن ميسّراً بشكل يمكّن المواطن من شراء الوحدة السكنية المطلوبة بالأسعار الحالية وعلى أن يتم سدادها بشكل مرن وطويل الأجل دون تأثير «ساحق» على دخل المواطن البسيط وعلى تكاليف معيشته، فهذه دعوة للبنوك السعودية بأن تبرّ بحكومة المملكة العربية السعودية وأن تردّ الجميل لها، وإن لم يكن للبِرّ قيمة أو لردّ الجميل إحساس، فلتعتبر البنوك هذا العمل جزءاً من مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع السعودي الذي يُعتبر هو سرّ كل نجاحاتها وأرباحها.