تسمية الأشياء بأسمائها ليست طائفية.. توصيف الواقع وعرض صورته الحقيقية ليست طائفية.. أقول هذا قبل البدء إذ تعلو أصوات كثيرة في أوساط النخب العربية والخليجية محذرة من الطائفية والسقوط في أوحالها، وهي محقة لكن الالتفاف على الحقائق وتجنب توصيفها من شأنه مفاقمة الأزمات. الدول العربية مستهدفة مما يجري في المنطقة. وحدة أراضيها، نظمها السياسية المستقرة منذ قرن مهددة، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن العرب السنة غالبية سكان هذا الإقليم هم مَنْ سيدفعون الثمن فيما تجني الأقليات المغانم. الأكراد والشيعة والمسيحيون أبرز الرابحين في كل ما يجري الآن، والعرب السنة وحدهم مَنْ يدفع الثمن الباهظ للفوضى، التي تضرب المنطقة العربية وتدخلات الخارج. من أصل نحو 20 مليون عربي سني كانوا يقيمون في المنطقة بين العراقوسوريا تشير تقديرات إلى تراجع العدد ليصبح 4 ملايين فقط. العرب السنة ليبراليون وإسلاميون بكياناتهم ومدنهم وشخوصهم سيدفعون الثمن. وأدوات الفوضى والتدخل هي للأسف شركاؤنا في الإقليم، الأكراد في العراقوسوريا تورطوا فيما يسمى بعمليات تطهير عرقي، والشيعة والعلويون والمسيحيون والدروز متورطون ايضا. معظم اللاجئين من العراقوسوريا سنة، والميليشيات التي تهجرهم وتشارك مع إيران وروسيا في قصفهم وحربهم هي مكونات من الأقليات المشاركة لنا في هذه الأوطان. نرفض الطائفية ومنطقها وما يترتب عليها ونطالب بحقوق متساوية لجميع المواطنين ولكن تسمية الأشياء بأسمائها وحماية الغالبية من الاضطهاد ومحاولات تحويلها لأقليات سياسية في أوطانها يتطلب وقفة تاريخية، فالصراع ليس على حلب ولا على الموصل بل على وجودنا في هذه الجغرافية. هي حرب وجود، بغض النظر عن خطوط الجغرافيا والخرائط، حين سقط العراق عام 2003 هلل كثيرون لسقوط الطاغية، سقط الطاغية وانفتحت بعدها أبواب الجحيم وانزاحت إيران خارج حدودها وتدفقت حتى صارت تحتل سورياوالعراق واليمن وتسعى لدخول المغرب العربي. وسط هذا الطوفان لا عاصم اليوم، ومَنْ يظن انه بمنأى سيدرك سريعا أن أمواج الفوضى ستدركه فلا الحدود تحمي ولا المسميات تعصم. فإن تأخر الدور على البعض، فهذا ليس لأنه مستثنى ولكن لأن دوره لم يصل بعد. المستقبل يبدو مظلما وبوارق الامل قليلة، لكن التاريخ لا يرحم مَنْ يتراخون في حماية وجودهم في المعارك الكبرى. نعم العرب السنة مستهدفون وهذه المرة الحرب على وجودهم ليس على الاطراف، بل في قلب الوجود في اليمن والجزيرة العربية والعراقوسوريا، والاصرار على أن هذه معارك جانبية أو خارجية هو تقدير يجانب الصواب، وسيدفع الجميع ثمنه ما لم يتنبهوا وينتبهوا ويقفوا في وجه المخططات التي تستهدف الجميع دون استثناء. الإرهاب الذي يطارده العالم هو السني فقط، فالإرهاب الشيعي في سوريا محمي بإيران وروسيا والإرهاب الشيعي في العراق محمي بأمريكا وإيران. والتطرف الذي تعلو الأصوات مطالبة باقتلاع جذوره هو المنسوب للسنة فقط، فتطرف الشيعة مغفور لأنهم شركاء للخارج في الحرب على الإرهاب السني، قيس الخزعلي مثلا يستحضر التاريخ القديم ويرى معركة الموصل امتدادا ثأريا لما جرى في كربلاء قبل ألف وأربعمائة عام، لكن أقواله لا تحظى باهتمام العالم ولا يرى فيها أحد ظلامية ولا خطابا متطرفا. بكينا أم صبرنا ليست تلك هي المسألة، وغضبنا من العالم أم بقينا ننتظر ضميره ليصحو فينقذ لن يتغير شيء ما لم نبادر لحماية وجودنا وإعادة ترتيب أوراقنا ورص صفوفنا. المملكة اليوم هي آخر حصون العرب السنة، ومهوى أفئدتهم ومحط ابصارهم لتقودهم خارج هذا النفق المظلم، الذي طال. أيها المراهنون على البقاء تذكروا أن شعوبا وأمما بأكملها بادت وانتهت ودولا رحلت ولم يبق إلا آثارها حين عجزت عن إدراك اللحظة التاريخية التي تمر بها، وكانت أصغر من الحرب التي تتعرض لها.