في هذا الكتاب الصادر حديثًا، تطرق المؤلف «جايمس غليك» إلى فكرة السفر عبر الزمن، من ناحية تطورها في المجال العلمي، وتوظيفها في السرد الأدبي، بالإضافة إلى تأثيرها على معرفة البشر وفهمهم عبر التاريخ. و«جايمس غليك»، هو المؤلف الذي عُرف بكتبه العلمية الشهيرة، ومنها كتاب «المعلومات، التاريخ والنظرية والغزارة»، الحائز على جائزة الجمعية المَلَكية البريطانية للكتب العلمية، في عام 2012، وكذلك كتاب «نظرية الفوضى، علم اللامُتوقع»، بالإضافة إلى أعمال أخرى تُرجمت إلى خمسٍ وعشرين لغة. يقول في هذا الكتاب ذي الأربعة عشر فصلاً، إن القصة بدأت منذ مطلع القرن الماضي، مع شاب كان يكتب ويعيد كتابة مسودة لحكاية رائعة. هذا الشاب يسمى «هربرت جورج ويلز»، مؤلف رواية «آلة الزمن» في عام 1895، تلك الحكاية التي أصبحت أول رواية تتناول فكرة السفر عبر الزمن، وتحظى بانتشار عالمي. وجاءت هذه الحكاية، في ذات الوقت الذي بدأ فيه العالم يشهد تغيرًا جذريًا في بنيته وطاقاته، ومعرفة أوسع واكتشافات أكبر للحضارات الأخرى البائدة، وبروز العديد من التقنيات على أرض الواقع، مثل التلغراف، والقطارات البخارية، بل حتى اختراع الساعات بالغة الدقة، حيث بدأ الناس يدركون معها مفهوم الزمن بشكل أكثر عُمقًا. لقد تتبع «جايمس غليك»، في هذا الكتاب فكرة السفر عبر الزمن، في سياقها العلمي والأدبي، وكيف عبرت عنها الثقافة المعاصرة، في أعمال عديدة، مثل روايات «مارسيل بروست»، وكتب «خورخي لويس بورخيس»، وكذلك الأعمال التلفزيونية والسينمائية، بما تحمل من مفارقات، وأبعاد فلسفية، عبَّر عنها بقوله إن فكرة التحول في الزمن تستهلك وقتنا الحاضر، ليتلاشى معها المستقبل. ونقدم ترجمة لإحدى مراجعات الكتاب: طرح أحد البرامج الإذاعية الطريفة في عام 2001، سؤالًا للمستمعين، يقول إذا قُدر أن يكون لك قوة خارقة، فأيهما تُفضل: القدرة على الطيران أو القدرة على الاختفاء؟ وأظهرت الإجابات، تلك الرغبات العميقة التي تكشف الكثير عن حالة الإنسان، فنحن نتوق للشهرة، وفي الوقت ذاته الاختفاء، كما أننا نتطلع إلى الحرية المطلقة، وفي الوقت عينه الشعور بالأمن. ولكن القوة يجب أن تكون واحدة فقط. ومن المثير أن نعرف أن هناك قوة خارقة أخرى يمكن أن تُطرح في السؤال، وهي قدرة السفر عبر الزمن. إن ما يميز البشر عن غيرهم من المخلوقات، تلك العقول الكبيرة، التي تعمل مثل أجهزة الحاسبات العملاقة، تحاكي وتميز ما يمكن أن يحدث في المستقبل. إن البشر مقامرون مع الزمن، يفكرون بالخطط ويضعون الرهانات، ولكن خططهم ليست كاملة، ويعتريها النقص. إنه من المثير أن يكون لديهم القدرة للعودة إلى الماضي، ليتأكدوا أنهم قد اتخذوا القرارات الصحيحة، أو السفر إلى المستقبل، ليكتشفوا تلك الفرص الذهبية التي تنتظرهم، أو حتى النهايات المأسوية. ولذا، فقد يكون من المنطقي أن نعرف أن حُلم السفر عبر الزمن هو شغل الناس الشاغل منذ القدم. ويُمثل السفر عبر الزمن مجازًا شائعًا، طُرح في قصص وروايات الخيال العلمي، ويمكن القول إن هذه الفكرة مهيمنة الآن في القصص الشعبية أكثر، كما يظهر في اعمال «هاري بوتر» الشائعة، كونها فكرة جديدة وحديثة نوعًا ما. وهذه الفكرة تنبع من مصدر واحد، وهي رواية «هربرت جورج ويلز». ففي هذه الرواية التي وضعها ويلز، كان الزمن يُمثل بُعدًا آخر جديدا، مثل الأبعاد الثلاثة المعروفة في الفضاء، فهو مثل المكعب رباعي الأوجه، فالطول والعرض والسُمك ليس كافيًا، بل يجب أن يحتوي أيضًا الزمن، الذي هو مثل المسافة، يمكنه أن يمتد إلى الأمام والخلف، ويُمكن اجتيازه. وبعد سنوات ليست بالبعيدة من صدور رواية «آلة الزمن»، كان لعالم الرياضيات والفيزياء الألماني «هيرمان مينكوفسكي» الفضل لإن تصبح هذه الفكرة نفسها، مفهومًا من مفاهيم الفيزياء الحديثة. فقد وجد «مينكوفسكي» أن العلاقة والمزاوجة بين مفهومي المكان والزمان هي الطريقة الأكثر ملاءمة للتعامل مع النظرية الخلاقة الجديدة، وهي نظرية النسبية الخاصة التي وضعها تلميذه السابق «ألبرت أينشتاين». ومن ذلك الحين، لم ينظر الفيزيائيون إلى الوراء. واليوم، سيظهر في بحثٍ سريع عن مصطلح «السفر عبر الزمن» في أرشيف شبكة الإنترنت أكثر من خمسين ورقة علمية مُفصلة خلال هذا العام وحده. ولكن ليس معنى هذا أن العلماء اليوم يحاولون بناء آلة الزمن! بل يحاولون الإجابة عن سؤال لماذا هذه الأفكار غير موجودة. وكما يقول «ستيفن هوكينغ»، إذا كان السفر عبر الزمن ممكنًا، فلماذا لا نقحم أنفسنا سائحين في المستقبل؟ وكان جوابه، أن على قوانين الفيزياء أن تستبعد بطريقة أو بأخرى مخاطر انتهاك العلاقة بين السبب والمسبب. ومع ذلك، فإن الجهود لإثبات فرضية هوكينغ «حماية التسلسل الزمني» لم تصل إلى دليل حتى الآن.