هل أنت ممن تشكل لك المعرفة قلقا قهريا؟ إن كنت ذلك الرجل فأنت مريض بداء اسمه القلق المعرفي سواء علمت بذلك أم لم تعلم، وعدم علمك بأنك مصاب بهذا الداء لا يعني أنك لا تشعر بعوارضه، ومع هذا أظنه لو شُخص لك فسوف تزداد قلقا مع قلقك، ومن هنا قد يكون جميلا ألا تعرف تشخيص هذا المرض، أي اعتبره من باب ليس كل ما يعرف يقال. وإن قلت لي لماذا أنت تصر على تشخيص هذا المرض في مقالك هذا؟ أقل لك أولا اقرأ وانس ما قرأته في هذا المقال، فأنا وأعوذ بالله من قلق الأنا ما كتبت هذا المقال إلا محاولة مني لتفريغ بعض شحنات القلق المتراكمة في نفسي، يعني مجرد تفريغ لا أقل ولا أكثر، والقلق المعرفي الذي تعيشه أنت وأعيشه أنا في بلاد العرب أوطاني، قلق مزدوج، فهناك قلق من المعرفة وهذا هو السائد ولكنه مرض، وقلق على المعرفة وهذا المرض قد يكون أكثر ضررا بصاحبه لأن أعداءه كثر، وغالبا هم من أصحاب النوع الأول من القلق، أي الذين يعيشون قلقا من تنامي المعرفة، ولهذا تجد نفسك بدلا من معالجة قلقك تواجه قلقا نقيضا لما تحمل من قلق أي قد تجد نفسك في سجال ليس حول ما يستجد من أفكار، بل حول المعرفة كمعرفة، فأنت مرفوض لدى أصحاب هذا القلق، ليس لأن أفكارك ثبت عدم صلاحها، بل غالبا هم ضد المعرفة كمعرفة، وليس بالضرورة هم يقفون ضد المعرفة جهلا بها إنما هو قلق من حالة الانفتاح المعرفي، فهو يقلق على حاله وعلى تياره الذي ينتمي إليه في حال لو قبل بحالة الانفتاح المعرفي، إضافة الى أن هناك مجتمعا يمثله صاحب هذا القلق غذي على خطاب ثقافي واحد، ومن ثم يجد أصحاب هذا القلق خشية تصل إلى درجة الرعب أحيانا من أن يتسلل أي خطاب نقيض لخطاب الجماعة، لذلك غالبا ما ينتقل هذا القلق المرضي من الخواص إلى الجماعة، محدثا قلقا هستيريا من أي معرفة أو فكرة جديدة عليه، ليصبح بعد ذلك القلق قلقا جماعيا، ومن هنا غالبا ما يتحول أي حوار مع هذه الجماعة إلى حوار عقيم لا فائدة منه، فأنت قبل أن تدخل في أي حوار معرفي مع هذه الجماعة بحاجة لأن تشعرها أولا إلى حالة القلق غير المبرر، فإن اقتنعت بهذا، وسعت لعلاجه، وإلا نتيجة أي حوار معروفة سلفا، والكلام ينطبق وإن كان بنسبة أقل على النموذج الثاني أي الذي يعيش قلقا مرضيا على المعرفة، فهذا غالبا ما يتحدث بانفعال وعاطفة، تفقد الفكرة التي يطرحها تعاطف الآخرين معها، ومن يشكك في هذا الكلام أقل له جرب أن تكون قلقا بصورة مرضية هل تستطيع أن تفكر بمنطق عقلاني؟ لماذا؟ لأن التفكير المنطقي يحتاج إلى أناس أصحاء أكثر من حاجته إلى البيئة الصحية. ولهذا لو كان الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم يعيش اليوم بيننا لكتب بدلا من بيته الشهير: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا بيتا تحدث فيه عن حالة القلق هذه أي القلق من المعرفة وعليها قائلا: ألا لا يقلقن أحد علينا فنقلق فوق قلق القالقينا فالجهل داء فتاك في أي مجتمع ولكن القلق المرضي من المعرفة وعليها هو الجهل المركب الذي يراكم عملية الجهل شئنا ذلك أم لم نشأ. * كاتب