استمعت قبل أيام لبرنامج إذاعي ناقش بصراحة قضية تنصل البنوك السعودية عن مسؤولياتها الاجتماعية، ومع أن الطرح الساخط من قبل مقدم البرنامج وبعض الضيوف والمتصلين شابه بعض اللبس في مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات إلا أنه عبّر عن عدم الرضا عن غياب دور مجتمعي لمنظمات اقتصادية تعتبر من أركان الاقتصاد السعودي. حالة البنوك والمجتمع اليوم أقرب لصورة عدم الود بين رجل فاحش الغنى قرر أن يعيش في قرية متوسطة الحال ليستحوذ على أموالهم ويُمارس التفاخر عليهم دون أن يُقدم لهم أي شيء في سنينها العجاف، هذا الرجل بات مؤخراً يحس بالغربة وعدم الراحة في التجول في شوارع قريته ولم يعد يشعر بالاستقرار بالقرب منهم. صحيح أن المسؤولية الاجتماعية لا يمكن –كما يُنادي البعض- أن تتحول إلى عمل إجباري لسبب بسيط هو أنها ستنتقل من اعتبارها مسؤولية اجتماعية إلى ضريبة نظامية كما يجري في الدول الأخرى. وحتى لو تم فرض تنظيم يجبر البنوك مثلاً على دفع ضريبة الاستفادة من المجتمع فهذا أيضاً لن يحل محل المسؤولية الاجتماعية ولن يصل القطيعة القائمة بين المجتمع والبنوك السعودية. أحد ضيوف البرنامح تطرّق من خلال البرنامج الإذاعي لكون البنوك تورد ذكر المسؤولية الاجتماعية في استراتيجياتها المنشورة في مواقعها الإلكترونية لكنها غير مطبقة على أرض الواقع ليصل إلى نتيجة أنها ليست أكثر من علاقات عامة بحس تعبيره وهو يقصد كما فهمت أنها مجرد تلميع لصورتها. هذا التعبير للأسف غير موفق على الإطلاق لعدة أسباب هي أن المسؤولية الاجتماعية كما تُدرس أكاديمياً وتُنفذ في الواقع اليومي للشركات هي نشاط من أنشطة العلاقات العامة للشركات، لكن المشكلة هنا هي عدم وضوح الفارق بين جهود الشركات لفهم المجتمع وكسب تأييده من خلال برامج العلاقات العامة، وبين الضحك عليه –ربما- كما يريد الضيف أن يقول. أحد الأمور التي تم التركيز عليها في ثنايا الحوار هو رفض المجتمع تبرعات البنوك للمساجد لتوجس البعض من مصادر الأموال، وهو عذر غير منطقي، فلا يوجد مبرر لتضييق الأنشطة التي يمكن أن تُسهم فيها البنوك ولو من خلال تقليل هامش الربح على الأقساط المفروضة على المواطنين المتضررين من تقليل البدلات أو تقديم خدمات أخرى للمجتمع. على كل حال فإن حالة عدم الثقة والتوجس بين المجتمع والبنوك تستحق التأمل فهي من جهة تنعم في المملكة على وجه الخصوص بمزايا كبيرة لا مثيل لها في العالم، ليس أقلها احتكار القلة (حيث من الصعوبة دخول مصارف للسوق السعودي)، وليس أكثرها عدم وجود ضرائب مباشرة على استثماراتها الداخلية واستئثارها بالأرباح في الخارج دون عملائها أو مضاعفة ربحية القروض تحت ذريعة المصرفية الإسلامية. على البنوك وشركاتنا الكبيرة اليوم وهي تواجه صعوبات سواءً في السيولة أو الاستثمار أن تستثمر بصورة أكبر من أي وقت مضى في بناء شبكات تواصل حية بينها وبين موظفيها وعملائها وكذلك مجتمعها، مبنية على العدالة وتحمل المسؤولة لتدير أزماتها بدلاً من التنصل عن مسؤولياتها لتتجاوز مع المواطن تحديات المرحلة الحالية في سبيل تحقيق رؤية وطموحات المملكة للتحول الوطني. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه أيضاً ب(الفهلوة) أو الاعتماد على وسائل قديمة قائمة على أساليب وأدوات التواصل القديمة مع المجتمع والتي كانت تحقق نتائج في وقت مضى حينما كانت العلاقات العامة والاتصال المؤسسي أشبه بنفخ فقاعات لم تُخلّف على المدى البعيد إلا مزيداً من التندر والضجر من المجتمع. الخبر الجيد هو أن الوسائل الحديثة وفّرت لشركاتنا الوطنية قدرات أكبر وأدق لتصميم برامج حقيقية بتكلفة أقل وفاعلية أكبر للتواصل مع المجتمع وتغيير الصورة المشهوة للعلاقة بين المواطن والقطاع الخاص لوطنه، فهل نشهد تغييراً في الأيام القادمة؟