قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الموافقة على أن يُنشأ مركز لإعداد القيادات الإدارية وتدريبها ويسمى بمركز إعداد وتطوير القيادات الإدارية، وتأتي هذه الخطوة في توجه واضح بأن الاستثمار في الكوادر البشرية المحلية سيكون مستمراً تماشياً مع «رؤية المملكة 2030». يعكس هذا التوجه ما ذكره قائد مرحلة الرؤية ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أثناء المؤتمر الصحفي لإعلان رؤية المملكة قبل ما يقارب 5 أشهر، والذي أكد من خلاله أن العنصر البشري يعتبر أحد أهم مقومات نجاح الرؤية، وأن المملكة حريصة على إعداد قادة التحول من مختلف الاطياف فكرياً وعلمياً وعملياً، وأضاف سموه أن المملكة لن تعتمد فقط على موظفي القطاع الحكومي ليكونوا قادة للمستقبل، والقيادات موجودة في كل القطاعات الخاصة والعامة، وتلك القيادات سيتم الاهتمام فيها كونها ثروة وطنية مهمة. نجاح أي منظمة يرتبط دائماً بنجاح الصفين الثاني والثالث فيها، ومنذ سنوات في القطاع الحكومي نجد أن تحركات الصفوف الثانية والثالثة والرابعة شبه محدودة، ويرجع ذلك لأسباب عديدة من أهمها عدم الجاهزية للترقيات والانتقال لمناصب أعلى أو بشكل أفقي في الهيكل التنظيمي للجهة، وهذا الحال له تأثير مباشر في قتل إبداع باقي الموظفين في نفس الجهة مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين من الجهة. في دراسة سابقة لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في الموارد البشرية تبين أن منظمات الشرق الأوسط تفشل في إعداد المهنيين بالمهارات اللازمة لتولي مناصب قيادية، وتلك المنظمات تكافح من اجل إبراز قادة المستقبل، وتكمن مشكلتها الرئيسية في افتقارها لتحديد المواهب الوطنية لعملية التعاقب القيادي، وتوقعي الشخصي بأن برامج المركز الذي تم إقراره ستكون بالتعاون مع أفضل مراكز إعداد القادة عالمياً للاستفادة القصوى منها. مسألة صناعة القادة ليست بالعملية السهلة، وإعداد جيل قيادي ليس بالأمر المستحيل أبداً خاصة إذا تمت تهيئة المناخ الملائم لها، وأثبتت العديد من الدراسات العالمية وجود علاقة قوية بين جودة مخرجات التعليم بشقيه العام والعالي والتنافسية الاقتصادية، ومن وجهة نظري الشخصية أننا في حاجة لبرامج «إعداد قادة» حتى للطلاب والطالبات قبل تخرجهم من المرحلة الدراسية، وتكون شبيهة بالمبادرة الناجحة لمؤسسة «مسك الخيرية» بالشراكة مع جامعة هارفرد الأمريكية من خلال برنامج متميز علمياً على المستوى العالمي، والذي كان يهدف لتهيئة الطلبة وتعريفهم بالحياة الجامعية ويمكّنهم من تكوين قاعدة معرفية قوية ومتميزة من جامعة عريقة، بهدف مساعدتهم على الانطلاق والاستزادة مستقبلاً في مختلف المجالات العلمية والمعرفية. ذكرت في مقال سابق أننا في حاجة لوجود «تجمع» للقيادات المحلية المميزة في مختلف التخصصات وذلك للرجوع إليها عند الحاجة، وتلك القيادات تحتاج لتطوير مستمر من خلال برامج قيادية لتكون جاهزة في أي وقت لخدمة الوطن، ومن خلال تلك البرامج ستكون هناك صفوف أمامية جاهزة لتحقيق رؤية المملكة والتي لم يمض عليها سوى سنة واحدة من خمس عشرة سنة، ومن المهم جداً أن يتخلل هذا البرنامج تدريب على أرض الواقع بما يسمى «Shadow Training» مع كبار المسؤولين وذلك بملازمتهم في بعض أعمالهم واجتماعاتهم لاكتساب خبرات عملية بشكل أوسع والتعرف أكثر على التحديات. خير الصناعات هي صناعة الكوادر البشرية والتي تعتبر أهم الثروات لأي اقتصاد، والإمكانات التي نمتلكها كبيرة ولله الحمد، ولدينا نماذج نفتخر فيها ومؤهلة لتحقيق نجاح رؤية المملكة حتى 2030م، وأنا شخصياً متفائل جداً بالمرحلة القادمة وخصوصاً في تكاتف أبناء الوطن وعزيمتهم على خدمة الوطن. ختاماً: إعداد قادة من شباب الوطن سيكون له تأثير كبير على اقتصادنا من عدة جوانب، وحتى لو تأخرنا في ذلك.