منذ أن بدأت المعرفة بالدكتور محمد إقبال تواصلت ولم تنقطع، وبقيت تتراكم وتتجدد، وأثمرت مع توالي الأيام العديد من الكتابات والدراسات والأعمال الفكرية الأخرى، جعلت من إقبال اسما حاضرا في كتاباتي ومؤلفاتي، وفي خطابي الفكري عموما. واللافت في هذا الحضور بدايته المبكرة، بشكل أثار دهشتي اليوم، لأن ليس من السهل الوصول إلى إقبال المفكر والفيلسوف، والتواصل مع خطابه الفكري والفلسفي. ترجع هذه البداية إلى ما يزيد على عقدين من الزمان، وتحديدا إلى سنة 1993م، حين أعددت دراسة بعنوان: (مقاربات في الفكر والمنهج بين محمد إقبال ومالك بن نبي)، نشرت في مجلة منبر الحوار، العدد الثامن والعشرون، السنة الثامنة، ربيع 1993م. ومنبر الحوار كما تعرف نفسها هي: مجلة فصلية لحوار الأفكار والثقافات، صدرت عن دار الكوثر في بيروت، أسسها سنة 1986م الكاتب العراقي فاضل رسول، وترأس تحريرها إلى سنة 1989م، ومن بعده تولى الإشراف على التحرير الباحث اللبناني المعروف وأستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور وجيه كوثراني، والدكتور كوثراني من أوائل الأشخاص الذين تواصلت معهم في أولى زياراتي إلى بيروت سنة 1992م، وتوقفت المجلة لاحقا سنة 1999م، وكانت من المجلات الفكرية الجادة والمتابعة في المجال الفكري العربي. وأهمية هذه الدراسة تكمن في أنها لفتت الانتباه إلى مثل هذه المقاربة الفكرية المهمة بين محمد إقبال ومالك بن نبي (1322-1393ه/1905-1973م)، خاصة وأن هذه المقاربة لم تكن مطروقة في ذلك الوقت، لا أقل هذا ما وجدته آنذاك. ولاحقا وبعد ما يزيد على عقدين من الزمن، تنبهت إلى أنني وقفت على مقاربة مهمة وجادة، وليس من السهولة بالنسبة لي في ذلك الوقت التنبه لها، والاقتراب منها، والاشتغال عليها، والخوض فيها. ولأهمية هذه الدراسة فقد أعدت نشرها لاحقا في الطبعة الثانية من كتاب (مالك بن نبي ومشكلات الحضارة.. دراسة تحليلية ونقدية) الصادر عن دار الفكر بدمشق سنة 1998م. وتجدد الاهتمام بإقبال مع كتاب (الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد) الصادر في بيروت سنة 1994م، وقد خصصت فيه ما يزيد على عشرين صفحة للحديث عن مرتكزات منهج إقبال في التجديد الديني، جاء هذا القسم ضمن الفصل الأول من الكتاب الذي حمل عنوان: (منهج التجديد في الفكر الإسلامي). وفي سنة 2000م نوهت بإقبال في كتاب (محنة المثقف الديني مع العصر)، وأشرت له بالاسم في الصفحة الأولى من مقدمة الكتاب، وقدمته بوصفه المفكر الذي ذكرنا بنموذج المثقف الديني، وعندما غاب عنا سنة 1938م شعرنا بفراغ حقيقي في المجال الفكري العربي والإسلامي المعاصر، ولم نجد من يسد فراغه مبكرا في العالم الإسلامي، فهو المفكر الذي دعا منذ وقت مبكر إلى تجديد التفكير الديني في الإسلام، وقدم نقدا فلسفيا للثقافة الأوروبية اتسم بالمعرفة والعمق. وتجدد الاهتمام مرة أخرى بإقبال سنة 2005م، حين قمت بإعداد دراسة حملت عنوان: (محمد إقبال وتجديد التفكير الديني في الإسلام)، نشرت في مجلة الكلمة الصادرة في بيروت، ضمن العدد 49، السنة الثانية عشرة، خريف 2005م، وجاءت في ثلاثين صفحة، والكلمة كما تعرف نفسها هي: مجلة فصلية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري. وفي وقت آخر نشرت هذه الدراسة في مجلتين فكريتين هما: مجلة ثقافتنا للدراسات والبحوث، الصادرة باللغة العربية في طهران، في المجلد الثالث، العدد الحادي عشر، صيف سنة 1427ه/2006م، وهي كما تعرف نفسها: مجلة علمية فصلية متخصصة في استئناف مسيرة الحركة الحضارية الإسلامية. والمجلة الثانية هي مقابسات الصادرة في بغداد، العدد الخامس، السنة الثالثة، مارس 2008م، وهي كما تعرف نفسها: مجلة فصلية تعنى بقضايا الفكر، تصدر عن جمعية النهوض الفكري في بغداد، ونشرت الدراسة ضمن باب قبس العدد. وقد نالت هذه الدراسة حسب متابعتي اهتمام الكتاب والباحثين في المجالين العربي والإسلامي، الذين رجعوا لها في مقالاتهم ودراساتهم حول إقبال، وأعدت نشرها لاحقا في كتاب: (الإسلام والتجديد.. كيف يتجدد الفكر الإسلامي؟) الصادر في بيروت سنة 2008م، واحتلت في الكتاب مكانة الفصل الأول. وأردت من هذه الدراسة الجديدة أن تحل مكان المادة المكتوبة من قبل عن إقبال في كتاب: (الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد)، كما أردت من كتاب: (الإسلام والتجديد) أن يحل كذلك مكان الكتاب السابق، وأشرت لهذا الأمر في مفتتح مقدمة كتاب: (الإسلام والتجديد)، وذكرت أن الكتاب السابق بات يعبر عن الطور الفكري الذي كنت عليه في ذلك الوقت، وجاء هذا الكتاب بعد ما يزيد على عشر سنوات في سياق تحديث الرؤية لموضوع التجديد الديني، بشكل يتجاوز أطروحة الكتاب السابق ويتخطاها، ويعبر عن الطور الفكري التالي على ذلك الطور. إلى جانب هذه الدراسة، نشرت سنة 2005م مقالة من جزءين في صحيفة عكاظ السعودية بعنوان: (محمد إقبال نموذج المفكر الذي ينبغي البحث عنه)، الجزء الأول نشر بتاريخ: الأربعاء 7 شوال 1426ه/9 نوفمبر 2005م، والجزء الثاني نشر بتاريخ: الأربعاء 14 شوال 1426ه/16 نوفمبر 2005م، وتاليا أعادت صحيفة الغد اليومية الأردنية نشر هذه المقالة بتاريخ: 24 ديسمبر 2005م، وحملت عنوان: (محمد إقبال مفكر نبحث عنه).