أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الأسبوع الماضي، تقريراً تقول فيه، إنه لأول مرة منذ أوائل عام 2014 حققت قيمة البضائع المستوردة والمصدرة بالدولار في دول مجموعة العشرين نموا حقيقيا قليلا في الربع الثاني من هذه السنة. ربما كان السبب في ذلك هو فقط التحسن القليل في أسعار النفط، بعد أن وصلت، في الربع الأول من هذه السنة، إلى أدنى مستوى لها منذ 12 عاما، ومن الدلائل على ذلك ما ظهر في مؤشر حجم التجارة العالمية في الكتاب الذي تداوم على نشره دائرة تحليل السياسات الاقتصادية في هولندا، وهو هبوط هذا المؤشر بنسبة 0.7 بالمائة في النصف الثاني من هذه السنة. (ويجدر بالذكر أن هذه الدائرة لا تخرج فعليّا لتقيس حجم الأشياء التي نتاجر بها بعضنا مع بعض، ولكن كل ما تفعله هو إجراء تعديلات فقط حول تقلبات الأسعار والعملات لتقديم صورة أوضح عن التدفق التجاري). حسب هذا المقياس، يمكننا القول إن التجارة العالمية هي في حالة تأرجح، وحتى تراجع، منذ أوائل عام 2015، وأن هذا التراجع أصبح يميل مؤخرا نحو الأسوأ، وليس نحو الأفضل. هذا لم يشكل بالتأكيد مفاجأة كبيرة بالنسبة لمن كانوا يتابعون أعمال الشحن البحري. وقد عبر عن ذلك الكاتبان ديفيد فيكلينغ وراني مولا من بلومبيرج للتحليلات، حيث كتبا: «من بين أكبر 15 من خطوط نقل الحاويات التي كانت عاملة قبل تسعة أشهر، أربعة منها أوقفت أعمالها، أو هي في سبيلها إلى ذلك.» ومع ذلك يبدو أن أغلب العالم يرفض الاعتراف بذلك. ويتابع فيكلينغ ومولا قولهما: «ومع ذلك ما نزال نشاهد زيادة في حجم أسطول نقل الحاويات في العالم.» يمكن فهم هذا الإنكار إذا عرفنا أن الشيء الرئيسي الذي فعلته التجارة العالمية في العقود التي تلت سقوط جدار برلين في عام 1989، هو النمو. وقد حدث خلال هذه الفترة حالات من الهبوط تخللت فترات من الكساد. ولكن لو كان الاقتصاد العالمي في تلك الفترة في حالة نمو، لكانت التجارة على الأغلب قد توسعت بمعدل أسرع. ولكن هذا لم يعد صحيحا، منذ حدوث التعافي الأولي الذي تلا الكساد الأخير. والسبب هو تراجع حصة التجارة من إجمالي الناتج المحلي العالمي منذ عام 2012. شيء واحد الآن يمكن أن يبين كم كانت الفترة الواقعة بين عامي 1987 و2008 عجيبة. هذا الشيء هو القفزة الكبيرة التي حققتها حصة التجارة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي عندما ارتفعت أسعار النفط، ولكن كان ذلك تحت ظروف تميزت لفترات طويلة بالاستقرار النسبي. ثم جاءت حقبة العولمة مندفعة إلى الأمام بدءا من عام 1987، والتي بدا أنها لن تتوقف.. ولكنها تبدو الآن وقد انتهت. هناك الكثير من التفسيرات الممكنة حول ذلك. أحد أسباب ذلك هو أن الصين التي قادت عولمة العقد الماضي، أصبحت تحاول الآن إعادة التوازن لاقتصادها باتجاه تعزيز الخدمات والاستهلاك المحلي. كما أصبحت المكننة تقلل من أهمية الفروق في كلفة العمالة بين الدول، وبدأ يكتشف أرباب الصناعات مجددا أن من الأفضل لهم صناعة منتجات في أماكن قريبة من المستهلكين وليس بعيدا عنهم في أنحاء أخرى من العالم. وأصبح تدفق البيانات والمعلومات يحل محل تدفق البضائع والمال. ولذلك، يبدو أنه أصبح واضحا بالفعل أن ليس بمقدور حصة التجارة العالمية من الناتج الإجمالي المحلي أن تستمر في التزايد إلى الأبد. لذلك هناك حد لمقدار ما يحتاجه الاقتصاد العالمي ليكون معولمًا. يمكن إلى حد ما اعتبار كل ذلك من الأسباب المحايدة أو حتى الإيجابية لتفسير الوصول إلى حالة الثبات أو عدم حدوث تغير أو تراجع في التجارة العالمية. وهذه أنباء سيئة بالنسبة لك، إذا كنتَ تمتلك أسهما في إحدى شركات الشحن البحري، ولكن ليس بالضرورة أنباء سيئة بالنسبة للاقتصاد العالمي. ومع ذلك يقول سيمون إيفينيت وجوهانس فريتز من جامعة سانت جالين في سويسرا في تقرير نشره مركز أبحاث السياسات الاقتصادية في لندن، إن السياسات الحكومية غير الصديقة المتزايدة في التجارة حول العالم ربما كانت أيضا مسؤولة عن إبقاء التجارة منخفضة. وهم أيضا يشيرون إلى نقطة ملفتة للنظر وهي أنه حتى لو كان الثبات جاء لأسباب طبيعية ولطيفة نسبيا، إلا أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى سياسات اقتصادية يحاول فيها كل بلد إصلاح مشاكله الاقتصادية بطرق تفاقم من المشاكل الاقتصادية للبلدان الأخرى. «وهذا يعني أنه في حال ثبات التجارة العالمية على حالها وبقائها دون تغيير، فإن المكاسب الصافية التي يمكن أن تحققها أحد البلدان المصدّرة يجب أن تكون قد جاءت على حساب بلد آخر. وثبات التجارة العالمية على حالها يزيد من مخاطر حدوث توترات تجارية، خاصة في وقت تقوم فيه حكومات من القوى التجارية الرئيسية الكبرى بتقديم الكثير من الحوافز والأموال لتشجيع صادراتها. الخطر هنا هو أن هذه الدائرة المغلقة من التغذية الراجعة السلبية يمكن أن تتطور لتصبح سياسة يمكن أن تساهم في حدوث ثبات في التجارة العالمية، ونحن لا نستطيع أن نقلل من احتمال أن يشكل ذلك السياسة الاقتصادية في المستقبل». وعلى كل حال، يبدو أننا دخلنا بالفعل في عصر اقتصادي جديد، ومن الأفضل لنا أن نتكيّف معه.