من مشكلات الثقافة في عالمنا العربي اتيان بعض المحسوبين عليها بأمور لا قِبل للناس بها، وإحداث البلبلة في الأوساط الثقافية بالغرائب! بالمختصر..«يوسف زيدان، كاتب وروائي مصري، يقال إنه متخصص في التراث العربي، ألقى محاضرة في طنجة المغربية قال فيها: إن الجزيرة العربية لم تنتج حضارة، وتحدى أحد الحاضرين أن يكون هناك عالم لغة عربية واحد في الجزيرة العربية، وقال: «عرقيا يعني، العرب كانوا ساكنين في اليمن، ولما انهار السد انتشروا في الأرض، بعضهم راح للشمال»، مشيرا إلى أنهم لم يتوجهوا إلى الوسط، وأضاف على فكرة الى حد ما ظهر الإسلام كان ينظر إلى قلب الجزيرة العربية باعتبارهم سراق إبل... إذا كان «زيدان» مهتما بالتراث العربي ثم يقول هذا الكلام، وينسف تاريخ الحضارة في الجزيرة العربية، فعندئذٍ يكون أساس هذا «الهذر» الثقافي ليس الجهل، وإنما منشؤه الغرور والتعالي الذي يصيب بعض «المثقفين»، فيتعصب ضد حضارة بلد ما. الشواهد على حضارة وسط الجزيرة أو «الحتة الوسطانية» - كما سماها هو- ضارب في الجذور.. فهناك أنبياء عاشوا في هذه المنطقة، واحتضنت «الحتة الوسطانية» أقواما بائدة كقوم ثمود، ولا تزال آثارها قائمة في مدائن صالح. وعلى مستوى الأدب فالمعلقات العشر، شعراؤها لم يهبطوا من كوكب زحل، وإنما نسجت أشعارها هنا.. واكتمل شرف جزيرة العرب، بالرسالة المحمدية - على صاحبها الصلاة والسلام - التي خاطبت الروح، والعقل، ووصل ضوؤها إلى العالم أجمع، ولا يزال نورها يتوهج. التاريخ يذكر أن أصل البشر انطلق من مكة، فآدم - عليه السلام - ينسب إليه أنه بنى الكعبة المشرفة.. وأصل العرب هم من الحجاز التي تضم مكة، وهنا نقول: لا صحة لمعلومة أن أصل العرب من اليمن، فإسماعيل - عليه السلام - تكلم باللغة العربية، وقبيلة جرهم العربية سكنت مكة، فمكة هي المكان الذي انصهرت فيه لغات الشمال والجنوب، ونتج منها لغة القرآن التي يفهمها أهل الشام واليمن. جميل هذا الاستنفار الثقافي الذي ثار للرد على تهم «زيدان»، هذا الاتهام حرك مياهنا الراكدة، هبة إعلامية وتويترية، وجهات عليا كهيئة السياحة، كلها ترد، وتدلل، وتكشف عمق الحضارة العربية والإسلامية لهذه الجزيرة التي تتربع السعودية على أربعة أخماس مساحتها، هذا الاستنفار رائع لتذكير الناس بفضل شمس الجزيرة التي سطعت على العالم كله. وأختم بهذه الكلمة للراحل «غازي القصيبي»: من هنا من منطقة مكةالمكرمة انطلق آلاف ونشروا الحضارة في ثلاثة أرباع العالم، نحن أبناؤهم، نحن أحفادهم، هذه الجذوة لم تمت، لا ينسى أحد منكم هذا الإرث التاريخي، نحن لسنا حضارة هامشية، ولا فرعية، نحن أمة ظلت تقود العالم في كل شيء في الفكر، في العلم، مرت علينا أوضاع، والدنيا هبوط وصعود، ولكن بإذن الله لدينا الأمل ولدينا القدرة في أن نعود كما كنا... ولكم تحياتي.